
كيف بدأ ترامب تلميذ نتنياهو النّجيب في تفكيكِ أمريكا وبَذْر بُذور الحرب الأهليّة فيها بغزوه العُنصريّ للوس أنجيليس؟ هل ستكون كاليفورنيا أوّلُ “الهاربين” ولماذا؟
عبد الباري عطوان
سيدخل دونالد ترامب التّاريخ حتمًا على أنّه الرئيس الذي حوّل أمريكا إلى دولةٍ بوليسيّة بإرساله 2000 جُندي من الحرس الوطنيّ إلى مدينة لوس أنجيليس بذريعةِ “تحريرها” من غزوِ المُهاجرين، ومُعظمهم مِن دول أمريكا اللاتينيّة، والجريمة الكُبرى التي ارتكبوها حسب وجهة نظره، مُمارسة حقّهم المشروع في الاحتِجاج والتّظاهر السّلميّ ضدّ القوانين التي أصدرها، وإدارته ضدّ المُهاجرين الجُدُد.
الرئيس ترامب يسير على نهجِ صديقه، وحليفه، ومُعلّمه، بنيامين نتنياهو، وكُل العصابة الصّهيونيّة المُحيطة به، باللّجوء إلى الاستِخدام المُفرط للقوّة، وعدم احترام كُل القيم والقوانين والأعراف التي جعلت من أمريكا قوّةً عُظمى وواحةً للتّعايش والتفوّق والإبداع، بعيدًا عن كُل التوجّهات العُنصريّة البَغيضة.
مدينة لوس أنجيليس التي تُعتبر عاصمة ولاية كاليفورنيا الأضخم في الولايات المتحدة، والأكثر ليبراليّة، وديمقراطيّة، تحوّلت إلى ساحةِ حرب بكُل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فالدبّابات والمدرّعات في كُل مكان، والجُنود يقتحمون المحلّات التجاريّة، بحثًا عن المُهاجرين “غير الشّرعيين”، والزّج بهم بطُرُقٍ غير إنسانيّة في المُعتقلات دُون شفقة أو رحمة تمهيدًا لترحيلهم في تجاوز عنفي لقانون الولاية، ولحاكمها اللّيبرالي المُنتخب غافن نيوسوم الذي لم يطلب مُطلقًا العون والتدخّل لقوّات الحرس الوطني، حتّى كأنّ ترامب وأجداده البيض لاجئون شرعيّون دخلوا أمريكا بتأشيراتِ دُخولٍ رسميّة قبل 300 عام.
***
ترامب يكره ولاية كاليفورنيا مِن مُنطلقاتٍ عُنصريّة، وسياسيّة، لأنّها تُعتبر الولاية الأكثر ليبراليّة، ويساريّة، واشتراكيّة، وتُصوّت دائمًا للحزب الدّيمقراطي، وتُعتبر أبرز قِلاعِه الرئيسيّة، والغالبيّة من مُواطنيها من سُمر البَشَرة، اللّاتينيي الملامح والثّقافة، وحاكمها نيوسوم يُعتبر أكثر مُرشّحي الحزب الديمقراطي شعبيّةً في الولايات المتحدة، وفُرص فوزه بالانتخابات الرئاسيّة القادمة كبيرة جدًّا.
هؤلاء اللاتينيّون هُم المُواطنون الأمريكان الحقيقيّون، أمّا الغُزاة فهُم العُنصريّون البيض القادمون من أوروبا الذين ارتكبوا مجازر الإبادة ضدّ الهُنود الحُمر سكّان البلاد الأصليين، تمامًا مثلما يفعل نتنياهو ضدّ أهلنا في قطاع غزة والضفّة الغربيّة، وسورية، ولبنان واليمن.
الولايات المتحدة، وتحت حُكم هؤلاء العُنصريين، من أمثال ترامب هي الأكثر ديكتاتوريّة وعُنصريّة وتَسَلُّطًا، فهي تقف خلف مُعظم الحُروب في العالم في الوقتِ الرّاهن، مِثل أوكرانيا، والشّرق الأوسط، وأفغانستان، وليبيا واليمن، وقريبًا جدًّا في جنوب آسيا.
هذه السّياسات التي يتبنّاها ترامب والعِصابة الصّهيونيّة التي تُحرّكه مِثل الدّمية لتحقيق أهدافها في تفكيك العالم، وبَذْر بُذور الحرب فيه، ستُؤدّي حتمًا إلى تفكيكِ أمريكا نفسها، وزعزعة أمنها واستِقرارها، وإشعال فتيل الحرب الأهليّة فيها، والخطوة الأُولى والأكبر هي هذا التدخّل الاستفزازي القمعي في لوس أنجيليس.
ولاية كاليفورنيا قارّة في حدّ ذاتها، وحجم اقتصادها الأضخم في أمريكا يجعلها رابع اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الفيدرالي الأمريكي والصيني والألماني، ويُقدّر بحواليّ 4.1 ترليون دولار، وتأتي بعدها بريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا والبرازيل، ومِن المُؤكّد أن يُؤدّي غزو ترامب وقوّات الحرس الوطني الحالي، وربّما قوّات المارينز لاحقًا، إلى انفِصالها عن منظومة الاتّحاد الفيدرالي الأمريكي، والاستِقلال بالتّالي، والتحوّل إلى دولةٍ عُظمى تقود العالم لاحقًا، ومن غير المُستَبعد أن تحذو ولاية تكساس الجارة الجنوبيّة المُتمرّدة إليها عاجلًا أو آجِلًا.
***
مُواطنو كاليفورنيا الأحرار الشّرفاء يتمرّدون على حُكم ترامب العُنصري، بينما يتنافس الحُكّام العرب المُسلمون على تقديم أكبر حصّة من التّريليونات الخمس التي أراد ترامب ابتِزازها بالقوّة لإنقاذ الاقتِصاد الأمريكيّ المُنهار، وتقليص الدّين العام الذي فاق الأربعين تريليونًا.
كاليفورنيا ومُواطنوها اللاتينيّون الذين يعودون في أصولهم إلى دول في أمريكا الجنوبيّة مِثل المكسيك، والبرازيل، نيكاراغوا، وكوبا، وتشيلي وكولومبيا، وفنزويلا، أي الدّول التي أغلق مُعظمها السّفارات الإسرائيليّة في عواصمها، ووقفت بقوّة ضدّ حرب الإبادة في قطاع غزة، ستنتصر في نهاية المطاف، وستتطهّر من السّياسات العُنصريّة التي يتبنّاها ترامب وأمثاله التي جعلت من أمريكا أكثر دولة مكروهة في العالم، ولعلّها صُدفة ذات معنى أخلاقي كبير أنْ تتزامن ثورة كاليفورنيا، مع بدء تنفيذ قرار ترامب بمنع دُخول مُواطني 12 دولة مُعظمها إسلاميّة (أفغانستان، اليمن، ليبيا، تشاد، السودان، إريتريا)، ومِن المُفارقة أنّ التّريليونات الخمسة التي ابتزّها ترامب في ساعتين، جاءت ثمرةً للكرم العربيّ الإسلاميّ الحاتميّ.. ما أبعد بصرهم حُكّامنا العرب الأذكياء والاستراتيجيين، وما أدقّ قراءتهم للتطوّرات العالميّة المُستقبليّة وخاصّة في مِنطقتنا العربيّة والشّرق أوسطيّة، والأدلّة كثيرة التي تُؤكّد ما نقول.. والأيّام بيننا.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: