
تمر الرياضة المصرية بمنعطف تشريعي جديد مع مناقشة البرلمان لمشروع قانون الرياضة الجديد، الذي يعد الأول منذ صدور القانون رقم 71 لسنة 2017.
وقد بدأ مجلس النواب مناقشة مشروع القانون وسط آمال بأن يشكل نقلة نوعية في تهيئة المنظومة الرياضية، وفتح الباب أمام استثمارات محلية وأجنبية أوسع في قطاع الرياضة.
ويواجه القانون (71) انتقادات واسعة بسبب غياب الحوافز الاستثمارية، وضعف الرقابة المالية، وتداخل الاختصاصات بين الجهات الرياضية المختلفة.
ويهدف مشروع القانون الجديد إلى إعادة هيكلة القطاع الرياضي، من خلال تعزيز استقلالية الأندية وتحويلها إلى كيانات اقتصادية احترافية، وتنظيم حقوق البث والرعاية، وتوسيع صلاحيات الوزارة، مع الحفاظ على التزامات مصر بالمواثيق الدولية، لا سيما الميثاق الأولمبي.
وبينما ترى الحكومة أن القانون الجديد يمثل دعامة أساسية لتحويل الرياضة إلى صناعة قادرة على خلق فرص عمل وجذب تمويلات ضخمة، يبدي عدد من المهتمين بالشأن الرياضي والنواب بعض التحفظات حول قدرة الأندية على التحول المؤسسي، وضمان التوازن بين الجانب الاستثماري والدور المجتمعي للأندية.
قال أحمد صالح، المحامي المتخصص في الشئون الاقتصادية والقانونية، إن صناعة الرياضة تمثل أحد أبرز القطاعات الواعدة على خريطة الاستثمار في مصر خلال السنوات المقبلة، نظراً لما تمتلكه من بنية تحتية متطورة وقاعدة جماهيرية واسعة، إلى جانب الاهتمام المتزايد من الدولة بتعظيم العوائد الاقتصادية من هذا القطاع الحيوي.
وأوضح أن الدولة قطعت شوطاً كبيراً في تمهيد الطريق أمام الاستثمار الرياضي، سواء من خلال تطوير المنشآت الرياضية أو تشجيع تنظيم البطولات الدولية، فضلاً عن تعديل بعض التشريعات المرتبطة بالقطاع، وعلى رأسها قانون الرياضة، والذي يُعد خطوة أولى نحو إصلاح منظومة الاستثمار الرياضي، لكنه لا يزال بحاجة إلى لوائح تنفيذية مرنة وواضحة تُسهّل جذب المستثمرين.
اقرأ أيضا: الاستثمار الرياضي في مصر.. تمويلات ضخمة وأزمات بلا حدود
أضاف صالح، أن البيئة التشريعية وحدها لا تكفي، بل يجب أن تصاحبها رؤية اقتصادية متكاملة ترتكز على إشراك القطاع الخاص، من خلال تفعيل آليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، وتقديم حوافز استثمارية ملموسة، تشمل إعفاءات ضريبية وجمركية، وتيسيرات في تراخيص المشروعات الرياضية، سواء كانت أندية أو شركات تسويق أو تنظيم بطولات.
وأشار إلى أهمية إعداد خريطة استثمارية بالفرص المتاحة في القطاع الرياضي، تشمل الأندية الجماهيرية، ومراكز التدريب، والملاعب، وشركات الإدارة الرياضية، مع ضرورة إتاحة الفرصة أمام المستثمرين لتأسيس كيانات رياضية تُدار وفق قواعد السوق والحوكمة الرشيدة.
ولفت صالح، إلى أن إدراج شركات وأندية رياضية في البورصة يُمثل إحدى الآليات المهمة لجذب التمويل وتنويع مصادر الدخل للقطاع .. لكنه يتطلب تجهيز تلك الكيانات من حيث الهيكل المالي والإداري حتى تكون قادرة على استيفاء شروط القيد وتعزيز ثقة المستثمرين.
وشدد على ضرورة أن يتواكب الاهتمام بتطوير التشريعات مع إطلاق برامج توعية وتدريب للمؤسسات الرياضية حول آليات التحول إلى كيانات اقتصادية مستدامة، وكيفية جذب المستثمرين وتعظيم الموارد.
وتابع: “الاستثمار الرياضي ليس مجرد إنفاق على أنشطة ترفيهية، بل هو قطاع اقتصادي متكامل يمكن أن يسهم في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ودفع عجلة التنمية، وتحقيق عوائد طويلة الأجل إذا ما تم استغلاله بشكل علمي ومنظم”.
ويتضمن مشروع القانون الرياضي الجديد مجموعة من التعديلات الجوهرية التي تهدف إلى تطوير المنظومة الرياضية في مصر، أبرزها تحويل الأندية إلى كيانات اقتصادية مستقلة عبر تأسيس شركات مساهمة، مع السماح لها بطرح أسهمها في البورصة لجذب الاستثمارات. كما يركز القانون على تنظيم حقوق الرعاية والبث والإعلانات، بما يعزز الشفافية ويمنع الاحتكار.
وينظم المشروع العلاقة بين الأندية والاتحادات الرياضية من جهة ووزارة الشباب والرياضة من جهة أخرى، مع وضع ضوابط لإحكام الرقابة المالية والإدارية على الأندية. ويشمل أيضًا شروطًا لإنشاء الأندية الخاصة والأكاديميات الرياضية، بهدف تقنين القطاع وتقديم خدمات رياضية محترفة.
القباني: التحول الحقيقي يبدأ عندما تُدار الأندية ككيانات مستقلة تسعى للربح
قال هيثم القباني، العضو المنتدب لشركة بيتا كابيتال للاستشارات المالية، إن إصدار قانون رياضة جديد يُسهل الاستثمار أصبح ضرورة ملحّة لتحفيز دخول رؤوس الأموال في القطاع، خاصة مع الحاجة لتيسير إجراءات تأسيس الأندية الخاصة، وفتح الباب أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية.
أضاف أن هناك أهمية كبيرة لتنسيق الجهود بين وزارة الشباب والرياضة وهيئة الاستثمار، لضمان سهولة الدخول والخروج من السوق، مشيرًا إلى أن البنية التحتية وحدها لا تكفي.
لفت القباني، إلى أن الدولة قدمت ملاعب واستادات، وهي خطوة مهمة، لكن التحول الحقيقي يبدأ عندما تُدار الأندية ككيانات اقتصادية مستقلة، تسعى للربح وتخضع لآليات السوق.
وأكد أن القطاع الرياضي بشكله الحالي غير جاذب لبنوك الاستثمار أو الصناديق، لأنه ببساطة لا يحقق أرباحًا، ولا توجد شفافية مالية تسمح بتقييم جدواه الاقتصادية.
وتابع: “ما الذي سيدفع مستثمرا لضخ أمواله في نشاط لا يعرف إذا كان مربحا أم لا؟”.
وأشار إلى أن الخطوة الأولى في المسار الصحيح هي تحول الأندية إلى شركات مساهمة بهدف تحقيق الربح، والخروج من عباءة الدولة، سواء في الإدارة أو التمويل، لافتا إلى أنه لا يمكن الحديث عن طرح الأندية في البورصة أو دخول صناديق الاستثمار قبل تنفيذ هذه الخطوة.
واعتبر القباني، دمج الأندية الجماهيرية مع أندية الشركات يمثل حلاً عمليًا، بشرط أن يتم تنظيم العلاقة قانونيًا وماليًا بشكل واضح، يسمح بجذب الرعاة وتوليد العوائد. وأضاف: “معظم الأندية الموجودة حاليًا تابعة لكيانات اقتصادية.. الأهلي لديه رعاة من البنوك، والزمالك كذلك، أما الأندية الأخرى فهي شركات من الأساس، ولم تعد هناك أندية جماهيرية خالصة.
وأشار إلى أن من أبرز التحديات أيضًا ، ندرة الكوادر المتخصصة التي تجمع بين فهم الرياضة والاستثمار، مؤكدًا أن هذا النوع من الكفاءات ضروري لإدارة التحول بنجاح.
وفيما يخص كرة القدم، لفت القباني إلى أن رابطة الأندية المصرية بحاجة إلى دور أكثر فاعلية يشبه نظيرتها في الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي يمثل نموذجًا عالميًا في الإدارة الرياضية الاحترافية.
وقال: “إذا تمكنا من تحويل نظامنا الكروي إلى نظام استثماري حقيقي، سترتفع المنافسة، وتتحسن عوائد البث والتسويق، وهو ما سيجذب الاستثمارات تلقائيًا”.
وأكد ضرورة أن تبدأ التجربة بنادٍ جماهيري كبير يتحول إلى شركة مساهمة ويحقق أرباحًا واضحة.
وقد شهدت مناقشات البرلمان حول مشروع القانون الرياضي الجديد حالة من التباين بين التأييد الحذر والمطالبة بمزيد من الضمانات، خصوصًا فيما يتعلق بجذب الاستثمارات وحماية الأندية الشعبية.
وخلال الجلسات، طالب عدد من النواب بإدراج مواد تضمن حماية حقوق الجماهير حال طرح الأندية في البورصة، كما أشار البعض إلى ضرورة توفير حوافز مشجعة للمستثمرين الأجانب والمحليين، مع تفعيل الرقابة على الإنفاق داخل الأندية.
وقال النائب أحمد دياب، وكيل لجنة الشباب والرياضة، إن مشروع القانون يمثل نقلة نوعية في هيكلة القطاع، لكن جذب الاستثمارات يتطلب بيئة تشريعية واضحة وشفافة تضمن حماية حقوق جميع الأطراف، خاصة المستثمرين الأجانب”.
رغم الطموحات الكبيرة المرتبطة بالقانون الرياضي الجديد، إلا أن تحديات التطبيق لا تزال قائمة، في ظل شكوك حول مدى جاهزية عدد كبير من الأندية للتحول إلى كيانات اقتصادية مؤسسية.
فغالبية الأندية، خاصة الشعبية منها، تفتقر إلى البنية الإدارية والمالية التي تمكّنها من تأسيس شركات مستقلة وإدارة أنشطتها الرياضية وفق معايير الحوكمة.
ويمثل الفصل بين النشاط الاجتماعي والرياضي تحديًا إضافيًا، لا سيما في الأندية التي تعتمد ماليًا على الاشتراكات الاجتماعية لتغطية تكاليف الفرق الرياضية. كما تخشى بعض الإدارات أن يؤدي الفصل إلى عزوف الأعضاء أو إضعاف الروح العامة للنادي.
في الوقت نفسه، تبرز مخاوف من حدوث تعارض بين بعض بنود القانون الجديد والمواثيق الدولية، خاصة فيما يتعلق باستقلالية الجمعيات العمومية للاتحادات الرياضية.
عمر: طرح الأندية في البورصة يصطدم بمشكلة القبول المجتمعي
وقال محمد عمر، عضو مجلس إدارة نادي الاتحاد السكندري، إن غياب التنظيم والتشريعات الواضحة هو أحد الأسباب الرئيسية وراء ضعف تدفق الاستثمارات إلى القطاع الرياضي في مصر، مشيرًا إلى أن إقرار قانون الرياضة الجديد من مجلس النواب سيكون بمثابة “الخطوة الأولى” نحو تحفيز الاستثمار الحقيقي في الأندية.
أضاف أنه من غير المنطقي أن يحصل المستثمر على حصة الأغلبية في ملكية النادي، لافتًا إلى أن التجربة القديمة كانت تمنح المستثمر 49% مقابل 51% للنادي، لكن هذا التوازن لم يكن مغريًا بما يكفي، لأن الإدارة ظلت بالكامل في يد الأندية، ما أضعف شهية المستثمرين.
وحول الحديث عن دمج الأندية الجماهيرية مع أندية الشركات، أشار عمر إلى أن هذه الفكرة تواجه حساسية شديدة من قبل الأندية الجماهيرية، خاصة أن الكثير منها يدار حاليًا بواسطة رجال أعمال كبار، مضيفًا أن الموضوع يحتاج دراسات وآليات دقيقة تحفظ للطرفين حقوقهم.
وفيما يتعلق بمشروع قانون الخصخصة المطروح حاليًا، أبدى تحفظه على الملف واصفا إياه بأنه “شائك للغاية”، ولن يكون مقبولًا بسهولة من قبل الأندية الجماهيرية أو جمعياتها العمومية، لأنه يُضعف سلطتها ويعيد توزيع السيطرة.
وحول طرح الأندية في البورصة كوسيلة للتمويل، اعتبر عمر أن الفكرة واقعية ومنطقية، لكنها تصطدم أيضًا بمشكلة القبول المجتمعي، قائلًا: “يبقى السؤال: هل جمعيات الأندية ستتقبل أن تدار أنديتها وفق رؤية مستثمر؟”