
عاد ملف إيران إلى واجهة الاهتمامات الرئيسية في الولايات المتحدة مع انتهاء مدة الشهرين التي حددها الرئيس دونالد ترمب في 12 أبريل (نيسان) الماضي للتوصل إلى اتفاق مع طهران حول برنامجها النووي المثير للجدل، مع دخول المفاوضات بينهما منعطفاً حاسماً، ووسط تزايد التكهنات باحتمال أن توجه إسرائيل ضربة ضد المنشآت النووية الإيرانية حتى من دون موافقة مسبقة من واشنطن.
وعلى غرار المؤسسات الإعلامية الكبرى في الولايات المتحدة، ركزت صحيفة «وول ستريت جورنال» على إعلان إيران أنها ستفتتح منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم وستزيد مخزوناتها من المواد الانشطارية العالية التخصيب، كرد على قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي خلص إلى أن طهران لم تمتثل لالتزاماتها المتعلقة بالضمانات الإضافية لمعاهدة منع الانتشار النووي، وبالتزامن مع تعثر المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، والتي تستضيف عمان جولة سادسة منها الأحد المقبل، في ظل تصريحات للرئيس ترمب بأن ثقته قلّت باحتمال التوصل إلى اتفاق سيكون بديلاً من الاتفاق النووي.
وتمثل الدعوات التي أصدرتها وزارتا الخارجية الأميركية والدفاع «البنتاغون» لذوي الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين لمغادرة أماكن إقاماتهم في العراق ودول أخرى في المنطقة، ومنها إسرائيل، مؤشراً على المخاوف المتزايدة من انهيار المفاوضات النووية الحالية وفتح احتمالات توجيه ضربة عسكرية لإيران من إسرائيل، أو الولايات المتحدة، أو من كلتيهما.
ويُعد قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي أُقر بأكثرية 19 صوتاً مقابل اعتراض ثلاثة أصوات، المرة الأولى التي يُثبت فيها عدم امتثال إيران لواجباتها النووية منذ 20 عاماً.
ودفعت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا إلى التصويت على هذا القرار بسبب رفض إيران المتكرر طوال السنوات الست الماضية تفسير وجود مواد نووية غير مُعلنة في مواقع إيرانية، بما فيها موقع بارزين العسكري.
وخلال الشهر الماضي، حذرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أنها لا تستطيع الجزم بأن إيران لم تُحوّل مواد نووية غير مُعلنة – ربما لأغراض عسكرية – عُثر عليها في البلاد بعد عام 2018، عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015.
قبل «ساعة الغروب»
وتفيد الولايات المتحدة بأنها لا تملك أي دليل على أن إيران قررت تطوير سلاح نووي، لكن مسؤولين لديها يؤكدون أن الأمر قد يتطلب بضعة أشهر فقط.
وأشار مسؤولو الاستخبارات الأميركية، خلال العام الماضي، إلى أن الاحتمال يزداد لجهة أن تقرر إيران صنع قنبلة ذرية، وهي تقوم بأعمال يمكن أن تُساعدها على ذلك، بما في ذلك رفع تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المائة، وهي نسبة أعلى بكثير من المستوى المطلوب للاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
ورغم أن القرار الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا يحيل الملف إلى مجلس الأمن، فإنه يُمهد ذلك. وسيحتاج إلى قرار آخر لاتخاذ إجراء في مجلس الأمن، وسط عمل دؤوب للقيام بمثل هذه الخطوة قبل انتهاء مفاعيل الاتفاق النووي، المعروف رسمياً باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة» لعام 2015 عند «ساعة غروبه» في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أي بعد عشر سنين من توقيعه، علماً أنه خلال هذه النافذة، يمكن للدول الأعضاء في الاتفاق أن تفعّل آلية «سناب باك» لإعادة فرض العقوبات الدولية التي رُفعت عن إيران بموجب اتفاق عام 2015.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين وأوروبيين أن إسرائيل تبدو مستعدة لشن هجوم قريباً على إيران، في تطور عدّته «خطوة قد تزيد من تأجيج التوتر في الشرق الأوسط وتعرقل أو تؤخر جهود إدارة ترمب للتوصل إلى اتفاق يقطع الطريق على إيران لبناء قنبلة نووية».
ترمب ونتنياهو
وربطت القلق من احتمالات حصول ضربة إسرائيلية وانتقام إيراني بقرار الولايات المتحدة سحب دبلوماسييها من العراق والسماح بمغادرة طوعية لأفراد عائلات العسكريين الأميركيين من الشرق الأوسط.
وأوضحت أن التوتر المتصاعد يأتي بعد أشهر من ضغوط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ترمب لاستغلال «لحظة ضعف إيران»، لافتة إلى رفض ترمب خطة أخرى قدمتها إسرائيل قبل أشهر لمهاجمة إيران؛ لأنه «يريد فرصة للتفاوض على اتفاق مع طهران من شأنه أن يُضعف قدرتها على إنتاج المزيد من الوقود النووي اللازم لصنع قنبلة»، بل إنه «حذر نتنياهو من شنّ ضربة عسكرية في أثناء المفاوضات». لكنها نبهت إلى عدم وضوح حجم الجهود التي بذلها ترمب لعرقلة نتنياهو هذه المرة، علماً بأنه «بدا أقل تفاؤلاً في الأيام الأخيرة في شأن احتمالات التوصل إلى تسوية دبلوماسية بعد رفض المرشد الإيراني اقتراحاً إدارياً كان من شأنه أن ينهي تدريجياً قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم على أراضيها».
وكذلك أفادت صحيفة «واشنطن بوست» بأن الولايات المتحدة «في حالة تأهب قصوى تحسباً لضربة إسرائيلية محتملة ضد إيران»، مضيفة أن «البنتاغون» أعطى الضوء الأخضر لمغادرة أفراد عائلات العسكريين في كل أنحاء الشرق الأوسط. ولفتت إلى أنه «في الأشهر الأخيرة، ازداد قلق مسؤولي الاستخبارات الأميركية من أن تختار إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية من دون موافقة الولايات المتحدة».
وأكدت أن البرنامج النووي الإيراني شهد تقدماً ملحوظاً منذ انسحاب الرئيس ترمب من الاتفاق عام 2018. ويقول محللون إن إيران الآن على وشك أن تتمكن من تصنيع ما يكفي من المواد النووية لتشغيل 10 أسلحة نووية، مضيفة أنه قد يتطلب بناء جهاز نووي فعال شهوراً أخرى.
وتحدث ترمب هاتفياً مع نتنياهو، ولكن البيت الأبيض لم يكشف سوى تفاصيل قليلة عن المحادثة. كما اجتمع ترمب أخيراً مع فريقه للأمن القومي لمناقشة طريقة التعامل مع إيران.
«خيارات واسعة»
وجاءت أنباء قرارات الولايات المتحدة بسحب أفرادها من المنطقة، بعد ساعات من تصريح ترمب لصحيفة «نيويورك بوست»، الأربعاء، بأنه صار «أقل ثقة» في شأن احتمالات التوصل إلى اتفاق مع إيران من شأنه أن يحدّ من قدرتها على تطوير أسلحة نووية، علماً بأن المفاوضين الأميركيين، وعلى رأسهم المبعوث إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، والإيرانيون برئاسة وزير الخارجية عباس عراقجي، سيجتمعون، الأحد، لإجراء جولة أخرى من المحادثات، رغم أن ترمب قال للصحافيين منذ الاثنين إن إيران اتخذت موقفاً تفاوضياً «غير مقبول».
ورفض المسؤولون الإيرانيون تصريحات قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال مايكل كوريلا حين أدلى بشهادته أمام لجنة تابعة لمجلس النواب في الكونغرس، مؤكداً أنه عرض على ترمب ووزير الدفاع بيت هيغسيث «مجموعة واسعة من الخيارات» لشن ضربة محتملة على إيران. وكان من المقرر أن يدلي كوريلا بشهادة إضافية، الخميس، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، لكن شهادته أُرجِئت من دون إعطاء أي تفسير.