تقلبات الرسوم الجمركية الأمريكية تنعش مخازن كندا – وطني

تقلبات الرسوم الجمركية الأمريكية تنعش مخازن كندا – وطني

ما كاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعلن عن رسومه الجمركية الجديدة تحت شعار “يوم التحرير”، حتى تلقى تود بولوك اتصالاً من شركة وجدت نفسها في مأزق. كان المتصل صاحب شركة تصنّع الأثاث المنزلي في الصين وقد شحنت نحو 50 حاوية إلى جنوب كاليفورنيا، لتُفاجأ بفرض رسوم جمركية قدرها 145% على السلع القادمة من الصين، وقد فات الأوان لتغيير وجهتها.

اقترح بولوك حلاً مبتكراً بتغيير الوجهة النهائية في وثائق الشحن نحو مستودعه في مدينة وندسور في أونتاريو، على بعد آلاف الكيلومترات، ثمّ نقل البضائع إلى المستودع عبر شاحنات “مضمونة” تُعفى حمولتها من الرسوم الجمركية أثناء عبورها الحدود. هكذا، تصبح المنتجات كأنها لم تدخل الأراضي الأميركية من الأساس.

اليوم، يقبع ذلك الأثاث الصيني في مستودع بولوك في اكداس ارتفاعها نحو 10 أمتار، وهو يقع على الجانب الآخر من الحدود مع ديترويت، وبقربه صناديق تحوي ألعاباً وملابس ولوازم للحيوانات الأليفة وسلعاً أخرى، جميعها “لاجئة” من أحدث جولات حرب ترامب التجارية. وقد لاحظ بولوك، الشريك المؤسّس لشركة “ويندسور فولفيلمنت” (Windsor Fulfillment) أن الطلب على المستودعات الشبيهة بمستودعه في ارتفاع مستمرّ.

إقبال على المستودعات الجمركية الكندية

قال بولوك، الذي بلغ من العمر 59 عاماً: “كلما زادت الرسوم الجمركية، يصبح من الأفضل أن تحتفظ بمخزونك في كندا”. وقد وضع خططاً لتوسيع مستودعه الممتد على مساحة 18000 متر مربع بنسبة 50%، ما إن تستقرّ الرسوم الأمريكية.

أضاف: “بدأت الشركات تدرك أنه يمكنها تخزين بضائعها في وندسور أو تورونتو أو فانكوفر، وتلبية السوق الأمريكية من هنا بدلاً من الاتجاه المعاكس. بهذا يصبح مركز التوزيع لشمال أمريكا في كندا”.

صحيح أن تخزين البضائع المستوردة في مستودع كندي لا يلغي الرسوم الأمريكية بالكامل، لكنه يمنح الشركات فرصة لتأجيل سدادها حتى لحظة شحن البضائع إلى الولايات المتحدة. وهذه ميزة قيمة في ظل التقلبات المستمرة في رسوم ترامب الجمركية، تمكّن الشركات من إدارة التدفقات النقدية وتجنّب دفع رسوم على بضائع قبل بيعها.

تتيح المستودعات الجمركية المعتمدة من الحكومة، للمستوردين تجنب دفع الرسوم الكندية مؤقتاً. وحتى بغياب هذا الامتياز، فإن دفع الرسوم الكندية الأقل كلفة واستردادها لاحقاً بعد إعادة شحن البضائع يظلّ خياراً يؤمّن وفورات مالية محتملة.

من جانبه، قال مايكل كوتيندجي، الرئيس التنفيذي لشركة “18 ويلز ويرهاوسينغ آند تراكينغ” (18 Wheels Warehousing & Trucking) في بريتيش كولومبيا: “تلقينا مئات الاستفسارات من شركات تقول: نرغب في تخزين حاوياتنا في مستودع جمركي في منشأتكم في فانكوفر، ثم إدخالها إلى السوق الأمريكية عند الحاجة. وطالما استمرت الرسوم الجمركية، سيواصل الجميع البحث عن الحلّ الأفضل من حيث الكلفة”.

رغم أن الولايات المتحدة تتيح للمستوردين تخزين البضائع في مستودعات جمركية وتأجيل سداد الرسوم لمدة تصل إلى خمس سنوات، إلا أن هذه المستودعات باتت ممتلئة بالكامل تقريباً. بيّنت شركة “فليكس” (Flexe) الناشئة في سياتل، التي تساعد نحو ألف مالك مستودعات على تأجير المساحات، قفزت طلبات استئجار مساحات في المستودعات الجمركية هذا العام ستة أضعاف بعد فرض ترمب ضرائبه الجديدة، ما رفع الفارق السعري مقارنةً بالمستودعات العادية إلى حوالي 60%.

نتيجةً ذلك، يتجه المستوردون شمالاً إلى كندا بحثاً عن حلول مبتكرة، وغالباً أقل كلفة. فمثلاً، لا يتقاضى بولوك سوى زيادة بنسبة 30% مقابل التخزين في مستودعات جمركية، مقارنةً بالمستودعات العادية.

في غضون ذلك، يزداد اعتماد البائعين الخارجيين المدرجين على “أمازون” ومنصّات التجارة الإلكترونية الأخرى على كندا كمركز للتخزين، ثم شحن كميات صغيرة إلى الولايات المتحدة كلما انخفضت مستويات المخزون هناك، في ممارسة باتت تُعرف باسم “التقطير الكندي”، بحسب براندون يونغ، الرئيس التنفيذي لشركة “سيلر سيستمز ” (Seller Systems) التي تقدّم برامج تدريب للبائعين عبر الإنترنت.

تقلبات الرسوم الجمركية

صحيح أن الأدلّة على هذا التحوّل ما تزال بمعظمها روايات فردية، إلا أن سلاسل الإمداد الجديدة التي بدأت تتشكّل في أعقاب الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب تقدّم درساً واضحاً عن التداعيات المتتالية لإعادة رسم خريطة التجارة العالمية.

قبل أن تفرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية على معظم دول العالم تقريباً، كانت مستودعات كندا تسجّل أعلى معدّلات شغور لها منذ نحو عقد، وفقاً لشركة الوساطة العقارية التجارية “جيه إل إل” (JLL). أما اليوم، فتفيد شركة “فليكس” بأن بعض المستودعات الكندية باتت ترفض استقبال طلبات تخزين جديدة بوتيرة تفوق حتى نظيراتها الأميركية، بفعل محدودية الطاقة الاستيعابية.

رغم أن الرسوم الجمركية الأميركية تراجعت في كثير من الحالات منذ الربيع الماضي، بعدما جمدت إدارة ترمب العمل بها مؤقتاً على معظم الدول لمنح مهلة تفاوضية مدتها 90 يوماً، واتفقت الولايات المتحدة والصين على خفض الرسوم خلال محادثاتهما الثنائية، إلا أن الاضطرابات لم تنته بعد.

في الأسابيع الأخيرة، اتهم ترمب الصين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بانتهاك الاتفاق الأولي، وهدد الاتحاد الأوروبي بزيادة الرسوم، كما ضاعف الرسوم الشاملة المفروضة على الصلب والألمنيوم. وبينما تواصل المحاكم الأميركية البتّ في قانونية هذه الإجراءات، ما تزال الرسوم المفروضة على الصين أعلى بكثير مما كانت عليه يوم عاد ترمب إلى البيت الأبيض. ووفقاً لحسابات معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، تبلغ هذه الرسوم حالياً نحو 51%، شاملة الرسوم السابقة.

مركز لوجستي

أشار بولوك خلال جولة على مستودعاته قبل فترة قصيرة إلى شحنات وصلت حديثاً من الصين، تنتظر إرسالها إلى عملاء في أماكن بعيدة مثل اليابان وأستراليا. ورغم أن فكرة شحن المنتجات عبر المحيط الهادئ ثم إعادتها مجدداً إلى تلك الأسواق قد لا تبدو منطقية، إلا أن بولوك يرى أنها في الواقع الطريقة الأمثل لخدمة الأسواق الدولية بالنسبة لكثير من الشركات الأمريكية متوسطة الحجم.

فهذه الشركات تحتاج إلى مركز موحد لتنظيم عملياتها، حيث تعيد تقسيم الكميات الكبيرة التي تطلبها من الموردين الصينيين، وهي تصل عادة بحجم حاوية شحن كاملة. في السابق، كان وجود هذا المركز في الولايات المتحدة يتيح للشركات خدمة سوقها الأكبر في الولايات المتحدة، إلى جانب الأسواق الدولية الأصغر حول العالم. أما اليوم، فيقول بولوك إنه يتلقى عدداً متزايداً من الاستفسارات من شركات تفكر في نقل هذه المراكز اللوجستية إلى كندا.

قال سايبال راي، أستاذ إدارة سلاسل الإمداد في جامعة “ماكغيل” بمونتريال: “إذا استمر هذا الاتجاه، يمكن أن تتحول كندا إلى مركز لوجستي ثانوي… تتمثل مشكلتنا الأساسية في أن جميع الأسواق، باستثناء الولايات المتحدة، بعيدة جغرافياً. لكن إذا ذهب 80% من الشحنات إلى السوق الأميركية، و20% إلى أسواق أخرى، فبإمكان هذا النموذج أن يثبت جدواه”.

المصدر:
اقتصاد الشرق