
علي علي العيزري: عندما تخون الترجمة النص: كيف تؤدي الأخطاء إلى معانٍ جديدة كليًا؟
علي علي العيزري
الترجمة ليست مجرد عملية نقل الكلمات من لغة إلى أخرى، بل هي فن يتطلب فهمًا عميقًا للسياقات الثقافية والاجتماعية. ورغم أن الهدف الأساسي من الترجمة هو الحفاظ على المعنى الأصلي، إلا أن الأخطاء في الترجمة يمكن أن تؤدي إلى نتائج غير متوقعة، قد تغير المفاهيم، وتخلق معاني جديدة لم تكن في النص الأصلي. بعض هذه الأخطاء تكون بسبب سوء فهم السياق، أو الترجمة الحرفية غير الدقيقة، أو حتى ضعف إدراك الفروقات الثقافية بين اللغات المختلفة وقد تؤدي هذه الأخطاء إلى نتائج كارثية.
أخطاء غيرت التاريخ:
هناك العديد من الأخطاء في الترجمة التي كان لها تأثير كبير على الأحداث التاريخية. أحد أشهر الأمثلة هو الترجمة الخاطئة لموقف اليابان خلال الحرب العالمية الثانية. حين طلبت الولايات المتحدة استسلام اليابان، رد رئيس الوزراء الياباني بكلمة “Mokusatsu”، وهي كلمة ذات معنيين في اللغة اليابانية، أحدهما يعني “عدم التعليق”، والآخر يعني “الاحتقار”. عندما تم ترجمة الكلمة إلى الإنجليزية على أنها “الاحتقار”، اعتبرت الولايات المتحدة أن اليابان ترفض التفاوض، مما أدى إلى اتخاذ قرار قصف “هيروشيما وناجازاكي”.
الترجمة الحرفية، العدو الخفي:
الترجمة الحرفية غالبًا ما تكون السبب الرئيسي لتغيير المعاني بشكل غير مقصود. على سبيل المثال، عند ترجمة العبارة الإنجليزية “It’s raining cats and dogs” حرفيًا إلى العربية، فإنها ستبدو غير منطقية، لأن القصد منها هو الإشارة إلى غزارة المطر وليس سقوط حيوانات من السماء. مثال آخر هو ترجمة عبارة “Lost in translation” إلى “ضائع في الترجمة”، بينما تعني في سياقات معينة أن المعنى لم يتم نقله بشكل صحيح بين اللغات. في سياق الأعمال، هناك أخطاء ترجمة شهيرة أثرت على العلامات التجارية. من ذلك ما حدث مع شركة Pepsi عندما طرحت شعارها “Come alive with the Pepsi generation”، والذي تُرجم إلى الصينية على أنه “Pepsi تعيد أسلافك من الموت”، مما أدى إلى موجة من الاستياء والضحك بين الجمهور الصيني!
تأثير الأخطاء على الأدب والفنون:
الترجمة الخاطئة لا تؤثر فقط على السياسة أو التسويق، بل تمتد إلى الأدب والفنون. مثال على ذلك هو ترجمة أعمال الأديب الروسي فيودور دوستويفسكي، حيث أن بعض النسخ المترجمة إلى الإنجليزية غيرت بعض المفاهيم الفلسفية العميقة في رواياته، مما جعل القارئ غير قادر على فهم الفكرة الأصلية التي أراد إيصالها. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الأفلام التي أُسيء ترجمتها في العناوين أو الحوار، مما أدى إلى تغييرات جوهرية في الحبكة الدرامية. من الأمثلة الشهيرة على ذلك فيلم “Eternal Sunshine of the Spotless Mind”، الذي ترجم إلى بعض اللغات بطريقة جعلته يبدو كوميديًا بدلاً من كونه فيلمًا فلسفيًا.
عندما تتسبب الترجمة في تغيير المفاهيم الثقافية:
تعتبر بعض الترجمات سببًا في تغيير المفاهيم الثقافية بالكامل. على سبيل المثال، كلمة “Freedom” تُترجم إلى “حرية”، ولكن في بعض السياقات السياسية، قد تحمل دلالات مختلفة في الثقافات الغربية مقارنة بالثقافات العربية أو الآسيوية، حيث يمكن أن تعني الاستقلال التام أو الحريات الشخصية وفقًا للسياق.
مثال آخر هو ترجمة كلمة “Respect”، التي تعني “احترام”، لكنها في بعض الثقافات تحمل معنى أعمق يتضمن الطاعة والتقدير الاجتماعي. هذه الفروقات اللغوية يمكن أن تؤثر على الخطاب الإعلامي والسياسي، وتجعل التفاعل بين الشعوب أكثر تعقيدًا إذا لم تؤخذ في الاعتبار عند الترجمة.
.5 عندما تتحول “الخيانة” إلى إبداع
يُقال في عالم الترجمة: _”الترجمة خيانة جميلة”_ ، في إشارة إلى أن المترجم حين ينقل النص من لغة إلى أخرى، لا يمكنه أبدًا أن يكون وفيًّا 100٪ للنص الأصلي دون أن يخون شيئًا ما، سواءً كان ذلك السياق الثقافي أو الإيقاع أو النبرة. لكن تلك الخيانة، إذا ما تمت بوعي وموهبة، قد تتحول إلى إبداع خالص.
في الأدب العربي، نجد مثالًا رائعًا في ترجمة الشاعر العراقي “سعدي يوسف” لأعمال لوركا. لم يكن سعدي ملتزمًا بالحرف، بل استخدم أدواته الشعرية ليخلق نصًا ينبض بالعربية ويحمل روح لوركا. كذلك في الإنجليزية، تُعد ترجمة غاي دويتشر لقصائد المتنبي نموذجًا على خيانة محمودة، حيث ضحّى أحيانًا بالوزن ليحافظ على المعنى والهيبة.
من الأمثلة الشهيرة أيضًا ترجمة “The Little Prince” للأمير الصغير، التي اختلفت من مترجم لآخر، ولكن بعضها أضفى عمقًا جديدًا على القصة، جعل النص يحيا في ثقافات مختلفة بأشكال فريدة. إن “الخيانة” هنا ليست سهوًا أو خللًا، بل قرار فني يتخذه المترجم ليكون هو أيضًا مبدعًا، لا مجرد ناقل. فالإبداع أحيانًا يتجلى حين نُعيد خلق الأصل لا نقله حرفيًا.
ختاما، خيانة الترجمة للنص ليست دائمًا أمرًا سلبيًا؛ ففي بعض الأحيان، تؤدي الأخطاء إلى معانٍ جديدة أكثر إبداعًا، أو حتى إلى اكتشافات ثقافية لم تكن متوقعة. ومع ذلك، تبقى الدقة اللغوية والحس الثقافي من العناصر الأساسية لضمان نقل الأفكار والمفاهيم بأمانة بين اللغات المختلفة. لذا، يجب أن يكون المترجم واعيًا ليس فقط للكلمات، بل أيضًا للسياقات والمفاهيم التي تحملها.
اليمن
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: