ليام دينينج يكتب: “ترامب” يدفع كندا لبناء أنابيب النفط رغم الانقسامات الداخلية

ليام دينينج يكتب: “ترامب” يدفع كندا لبناء أنابيب النفط رغم الانقسامات الداخلية

يبدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حماسة كبرى تجاه بناء أنابيب نفط جديدة، لكن ليس في كندا بطبيعة الحال.

غير أن شغفه الآخر، ذلك المتعلق بتهديد أقرب حليف للولايات المتحدة، يخدم مساعي تشييد الأنابيب شمال الحدود أكثر من أي سياسي في أوتاوا.

رئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني، الذي استثمر عدائية ترامب تجاه كندا لانتزاع فوز انتخابي بدا مستحيلاً، يواصل ـ على الأقل حتى الآن ـ توظيف هذا العداء لفكّ عقدة سياسات أنابيب النفط في بلاده.

وقد استضاف الأسبوع الماضي زعماء المقاطعات سعياً لبناء توافق حول مشروعات بنى تحتية “ذات أهمية وطنية”، معلناً في الوقت نفسه عن تشريعات جديدة لتسريع تنفيذ المشاريع التي تعزّز الاستقلال الاقتصادي.

أما رئيسة وزراء ألبرتا، دانييل سميث، التي تتصدّر مقاطعتها إنتاج النفط في كندا ولا تُعد من مؤيّدي حكومة كارني الليبرالية، فتحدّثت لاحقاً عن احتمال التوصّل إلى “صفقة كبرى” مع أوتاوا.

انقسامات بين المقاطعات

طريقة تصوير سميث للمداولات الداخلية وكأنها قمّة بين قوى سيادية تعكس عمق الانقسامات داخل كندا.

فالعوائق التجارية القائمة منذ زمن بين المقاطعات، التي تفرض أعباء جمركية تُقدَّر بأنها تفوق بكثير تلك المفروضة على التجارة الخارجية، تبلغ ذروتها حين يتعلّق الأمر بأنابيب النفط والغاز.
ألبرتا غنية بالنفط لكنها مقاطعة حبيسة يجاورها “أخوة أعداء” ولكي تصل صادراتها النفطية إلى السواحل الكندية، لا بد أن تعبر غرباً عبر بريتيش كولومبيا أو شرقاً، قاطعةً مسافة أطول بكثير، نحو المحيط الأطلسي.
كما أن وجود خط أنابيب داخلي واحد فقط، هو خط “ترانس ماونتن” المتجه غرباً، وحقيقة أن توسيعه لم ينجز إلا بعد سنوات من التأخير وتحت إشراف شركة تملكها الدولة يبرزان مدى تعقيد هذا الملف.

ولهذا السبب، يتدفّق معظم نفط ألبرتا جنوباً عبر خطوط أنابيب إلى ولايات الغرب الأوسط الأمريكي، ما يجعله عرضة لتداعيات الحرب التجارية التي يقودها ترامب.

أسباب كثير تدفع لبناء الأنابيب

لطالما كان بناء مزيد من أنابيب النفط داخل كندا مدعوماً بحجج اقتصادية واضحة. فأسعار النفط الكندي تُتداول عادة بسعر يقل ما بين 11 و15 دولاراً للبرميل، كما بيّن روري جونستون، مُصدر نشرة “كوموديتي كونتيكست”، في مقال لمعهد “ماكدونالد-لورير”.

ويعزى نحو نصف هذا الفارق إلى صعوبة تكرير النفط الكندي الثقيل، فيما يعزى النصف الآخر لكلفة نقله لمسافات بعيدة عبر الأنابيب، إذ تبعد منطقة هارديستي في ألبرتا نحو 2900 كيلومتر عن هيوستن بخطّ مستقيم.

لكن هذا الفارق قد يتسع أحياناً إلى 30 أو حتى 40 دولاراً للبرميل، خصوصاً حين تصطدم زيادة الإنتاج الكندي بمحدودية سعة الأنابيب، ما يضطر المنتجين إلى اللجوء للشحن بالقطارات أو الشاحنات الأعلى كلفة.

لذا فإن أي زيادة في القدرة الاستيعابية، أياً كان اتجاهها، تسهم في تخفيف هذه الاختناقات.

وفي أي حال، وحتى بلا تأثير الحرب التجارية التي يؤجّجها ترامب، كانت وتيرة ارتفاع إنتاج النفط الكندي مرشّحة لدفع خطوط الأنابيب إلى أقصى طاقتها في غضون عامين.

لكن لم تنجح هذه الحجج في كسر جبهة المعارضة الداخلية. وهنا تحديداً يبرز تأثير ترامب بما يضفيه من بعد أمني على الملف.

سجّل العجز التجاري الكندي أخيراً مستوى قياسياً جديداً، مع تراجع الصادرات المتّجهة جنوباً إلى الولايات المتحدة بفعل الرسوم الجمركية.

وبينما أبدى ترامب قدراً من التردد (المبرر) في فرض رسوم على النفط الكندي، لا يمكن لكندا أن تترك أكبر قطاع تصديري لديها مكشوفاً على هذا النحو.

ومن الطبيعي أن يدفع نهج “الهيمنة في مجال الطاقة”، الذي يُعدّ أحد أوجه الجيو-اقتصاد العدائي الذي ينتهجه ترامب، أوتاوا إلى السعي لتفادي هذا النفوذ قدر المستطاع.

لبناء مزيد من خطوط الأنابيب داخل البلاد أهمية تتجاوز مجرّد سدّ فجوة الأسعار.

صحيح أن تلويح سميث بانفصال ألبرتا خلال مفاوضاتها مع أوتاوا لانتزاع تسهيلات لزيادة الإنتاج خطوة متهوّرة، غير أن استمرار الحكومة الإتحادية في نهج العرقلة السابق كفيل بإلحاق ضرر بالغ بوحدة كندا.

إقناع الليبراليين والسكان الأصليين

مع ذلك، ليس أمام كارني هامش كبير للتحرك. فخط أنابيب “نورذرن جيتواي” الذي طُرح سابقاً، وترى فيه سميث المسار الأنسب لأي مشروع جديد، كان سيصل حقول نفط ألبرتا بميناء كيتيمات على الساحل الشمالي الغربي لمقاطعة بريتيش كولومبيا.

لكن المشروع اصطدم بمعارضة شرسة من السياسيين الليبراليين ومن جماعات السكان الأصليين في المقاطعة.

وفي نهاية المطاف، عطّله رئيس الوزراء السابق جستن ترودو عام 2016. ولم تكتفِ أوتاوا بذلك، بل أقرت في 2019 “قانون حظر ناقلات النفط”، الذي منع عملياً شحنات النفط الخام من سواحل بريتيش كولومبيا، باستثناء فانكوفر.

وقد وصفت هيذر إكسنر-بيرو، من معهد “ماكدونالد-لورير”، هذا الوضع قائلة: “تخيّلوا لو كانت تكساس مقاطعة حبيسة، وكل صادراتها النفطية مضطرة للعبور غرباً عبر كاليفورنيا، بينما تحظر الحكومة الإتحادية تحميل ناقلات النفط من أي ميناء على ساحل كاليفورنيا، باستثناء موانئ سان فرانسيسكو”.

في الحدّ الأدنى، سيتعين إلغاء هذا القانون. إذ لا معنى لبناء خط أنابيب في غياب موانئ قادرة على استقبال ناقلات النفط. لكن لا بدّ من الذهاب أبعد من ذلك أيضاً.

فعلى كارني إقناع الطبقة السياسية في بريتيش كولومبيا بالتخلّي عن معارضتها المتجدّدة للمشروع، وحشد دعم كافٍ من جماعات السكّان الأصليين هناك.

صحيح أن خطوط الأنابيب بين المقاطعات تخضع للسلطة الإتحادية، وأن الدستور يضمن للسكّان الأصليين حقّ التشاور لا حقّ النقض، غير أن محاولة فرض مشروع جديد بالقوّة ستنطوي على مخاطر جمّة، من طعون قانونية إلى ردود فعل سياسية وتأخيرات طويلة.

وهي عناصر كفيلة بردع رؤوس الأموال الخاصة عن الاستثمار، واختبار صلابة وحدة كندا في مواجهة سياسات ترامب.

ترامب المحرك الرئيسي

ربطُ كارني أي مشروع جديد لخط أنابيب بمبادرة “باثويز” لاحتجاز الكربون خطوة أساسية.

بغياب هذا الربط، يصعب تصوّر كيف يمكن له في ظلّ توجهات حزبه ومسيرته المهنية في مكافحة تغيّر المناخ أن يطرح حتى فكرة بناء خط أنابيب جديد أو تخفيف القيود المفروضة على الانبعاثات.

وتزداد صعوبة هذا المسار في وقت يخضع إنتاج النفط في ألبرتا حالياً لقيود فرضتها حرائق الغابات المستعرة، التي وصلت سحب دخانها إلى نيويورك.

أما كسب دعم جماعات السكّان الأصليين، فسيتطلّب أكثر من مجرد مشاورات معمّقة حول الأثر البيئي والثقافي للمشروع؛ إذ سيشمل على الأرجح دفع مبالغ مالية كبيرة مقدّماً، ومنح حصص ملكية في المشروع، كما حدث في المحاولة الأولى لبناء خط “نورذرن جيتواي” وقبلت وقتها بذلك بعض القبائل، كما بيّنت إكسنر-بيرو.

أي خط أنابيب جديد ينطلق من ألبرتا سيتطلّب إسهامات كبيرة من جانب الساسة الكنديين ودافعي الضرائب، تماماً كما كان الحال مع مشروعات أخرى للبنية التحتية في قطاع الطاقة تُعدّ استراتيجية ومهمة اقتصادياً رغم ما تثيره من جدل، مثل توسعة خط “ترانس ماونتن” وخط “ترانس-ألاسكا”.

بعبارة أخرى، نحن أمام مشروع طموح من النوع الذي ما كان ليُطرح لولا كل هذا الصخب القادم من البيت الأبيض حول “الولاية 51”.

المصدر:
وكالة أنباء “بلومبرج”
بقلم:
ليام دينينج، كاتب مقالات رأي لدى “بلومبرج”