
بيانات شركة فورتكسا للتحليلات : السعودية تصدر 6 ملايين برميل يومياً عبر المضيق
يثير احتمال لجوء إيران إلى إغلاق مضيق هرمز، كرد انتقامي على ضربات الولايات المتحدة لمواقعها النووية، تكهنات واسعة في الأوساط الدولية، بالنظر إلى كونه أكثر ممرات شحن النفط ازدحاماً في العالم.
يمر عبر هذا المضيق الضيق في الخليج نحو 20% من تدفقات النفط والغاز العالمية، ما يجعل من أي إغلاق محتمل له كارثة اقتصادية قد تعصف بالتجارة الدولية وتؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط.
كما يمكن أن يتسبب هذا السيناريو في تضخم أسعار السلع والخدمات على مستوى العالم، ويؤثر سلباً على بعض من أكبر اقتصادات العالم، مثل الصين والهند واليابان، التي تُعد من بين أبرز مستوردي النفط الخام المار عبر المضيق.
ما هو مضيق هرمز وأين يقع؟
يُعتبر مضيق هرمز أحد أهم الممرات البحرية في العالم، وأبرز نقطة اختناق لنقل النفط عالمياً.
ويحده من الشمال إيران، ومن الجنوب سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة، يبلغ عرضه نحو 50 كيلومتراً عند مدخله ومخرجه، ويضيق إلى حوالي 33 كيلومتراً في أضيق نقطة، حسب ما نقله موقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
ويتميز المضيق بعمقٍ يسمح بمرور أكبر ناقلات النفط الخام في العالم، ويُستخدم من قبل كبار منتجي النفط والغاز في الشرق الأوسط لتصدير منتجاتهم إلى الأسواق العالمية.
وبحسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، مر عبر المضيق في النصف الأول من عام 2023 نحو 20 مليون برميل من النفط يومياً، ما يعادل تجارة طاقة سنوية تقارب قيمتها 600 مليار دولار.
ولا يقتصر النفط المار عبر المضيق على إيران فحسب، بل يشمل أيضاً دول الخليج الأخرى مثل العراق والكويت وقطر والسعودية والإمارات.
ما أثر إغلاق المضيق؟
صرح السير أليكس يونجر، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات البريطانية، لهيئة الإذاعة البريطانية بأن أسوأ سيناريو محتمل في الصراع القائم بين إيران وإسرائيل يتمثل في فرض حصار على مضيق هرمز.
وقال: “إغلاق المضيق سيكون مشكلة اقتصادية هائلة بالنظر إلى تأثيره على أسعار النفط”.
واعتبر البروفيسور بدر السيف، المتخصص في جيوسياسية الخليج بجامعة الكويت، أن الأمر سيكون “أرضاً مجهولة”، وسيؤدي إلى “رد فعل متوتر في الأسواق العالمية، وارتفاع أسعار النفط، واضطراب البورصات العالمية”.
وسيضر الإغلاق كذلك بدول الخليج نفسها التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على صادرات الطاقة.
فعلى سبيل المثال، تصدر السعودية نحو 6 ملايين برميل يومياً عبر المضيق، وهي الكمية الأعلى بين جيرانها، بحسب بيانات شركة “فورتكسا” للتحليلات.
أما إيران، فتصدر ما يقارب 1.7 مليون برميل يومياً وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، وبلغت عائداتها النفطية 67 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في مارس 2025، وهو أعلى مستوى تحققه خلال عقد.
الإمارات ربطت حقولها النفطية الداخلية بميناء الفجيرة المطل على خليج عُمان
وستكون الاقتصادات الآسيوية من بين الأكثر تضرراً، إذ تشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة إلى أن نحو 82% من النفط الخام والمكثفات التي تغادر مضيق هرمز كانت موجهة لآسيا في عام 2022.
وتستحوذ الصين وحدها على حوالي 90% من صادرات النفط الإيرانية للأسواق العالمية.
أي اضطرابات في هذه التدفقات ستؤدي إلى زيادة تكاليف الوقود والإنتاج، في وقت تعتمد فيه الصين على التصدير والتصنيع، ما قد يفاقم الضغوط التضخمية عالمياً.
وبالنسبة للهند، تمر نحو نصف وارداتها من النفط الخام و60% من وارداتها من الغاز الطبيعي عبر المضيق.
وتحصل كوريا الجنوبية على 60% من احتياجاتها من النفط عبره، بينما تعتمد اليابان على المضيق لتأمين نحو ثلاثة أرباع وارداتها.
كيف يمكن لإيران إغلاق المضيق؟
تمنح قواعد الأمم المتحدة الدول حق السيطرة على مسافة 12 ميلاً بحرياً من سواحلها، وهو ما يعني أن مضيق هرمز، عند أضيق نقاطه، يقع بالكامل ضمن المياه الإقليمية لإيران وسلطنة عُمان.
وفي حال قررت طهران منع عبور السفن الـ3,000 التي تمر عبره شهرياً، فإن إحدى الطرق الفعالة التي قد تلجأ إليها، بحسب الخبراء، هي زرع الألغام البحرية باستخدام الزوارق السريعة والغواصات.
كما يمكن للقوات البحرية النظامية الإيرانية، إلى جانب بحرية الحرس الثوري الإسلامي، تنفيذ هجمات ضد السفن التجارية أو العسكرية الأجنبية، رغم أن السفن الحربية قد تصبح أهدافاً سهلة للضربات الجوية الأمريكية في المقابل.
وتملك إيران أسطولاً متنوعاً يشمل زوارق مزودة بصواريخ مضادة للسفن، وسفن سطحية وغواصات جزئية، بالإضافة إلى قدرات هجومية متعددة.
ويعتقد الخبراء أن طهران قادرة على إغلاق المضيق مؤقتاً، لكن الولايات المتحدة وحلفاءها يمكنهم إعادة فتحه بسرعة عبر تدخل عسكري، كما حدث سابقاً.
فخلال حرب الخليج بين إيران والعراق في الثمانينيات، تحولت الضربات المتبادلة على المنشآت النفطية إلى “حرب ناقلات”، استهدفت فيها السفن المحايدة.
وكانت الناقلات الكويتية التي تنقل النفط العراقي عرضة خاصة للهجمات، ما دفع الولايات المتحدة إلى توفير مرافقة عسكرية لها، في أكبر عملية قوافل بحرية منذ الحرب العالمية الثانية.
هل تنفذ إيران تهديدها؟
رغم أن إيران هددت مراراً في أوقات سابقة بإغلاق المضيق، إلا أنها لم تنفذ تهديداتها، وكانت أقرب مرة إلى تنفيذ ذلك خلال حرب الناقلات في الثمانينيات، لكن تدفق الشحن عبر مضيق هرمز لم يتوقف فعلياً آنذاك.
ومع ذلك، يرى مراقبون أن الوضع الحالي قد يختلف.
فقد صرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن إغلاق إيران للمضيق سيعد “انتحاراً اقتصادياً”، داعياً الصين، حليفة طهران، إلى التدخل.
وقال روبيو في مقابلة مع “فوكس نيوز”: “أشجع الحكومة الصينية على الاتصال بهم (إيران)، لأنهم يعتمدون بشكل كبير على المضيق للحصول على النفط”.
وأضاف: “لدينا خيارات للتعامل مع الأمر، لكن على الدول الأخرى أن تدرس الوضع أيضاً، لأن الضرر الاقتصادي سيصيبها أكثر مما يصيبنا”.
رغم عدم صدور رد رسمي من بكين، إلا أن الصين على الأرجح لن ترحب بأي ارتفاع في أسعار النفط أو اضطراب في خطوط الشحن، وقد تستخدم نفوذها الدبلوماسي للضغط على إيران من أجل تفادي الإغلاق.
قالت المحللة المتخصصة في شؤون الطاقة، فاندانا هاري، إن إيران “ليس لديها ما تربحه وستخسر الكثير” من إغلاق المضيق.
وأضافت أن هذه الخطوة “قد تجعل من دول الخليج المجاورة المنتجة للنفط والغاز خصوماً لطهران، كما قد تثير غضب سوقها الرئيسي، الصين”.
هل يمكن تعويض المضيق عبر طرق بديلة؟
دفعت المخاوف المتكررة من إغلاق المضيق بعض دول الخليج إلى تطوير طرق بديلة لنقل النفط.
وبحسب تقرير لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فعلت السعودية خط الأنابيب شرق-غرب الذي يمتد على طول 1200 كيلومتر، بقدرة تصل إلى 5 ملايين برميل يومياً.
كما استخدمت في عام 2019 أحد خطوط الغاز الطبيعي مؤقتاً لنقل النفط الخام.
أما الإمارات، فقد ربطت حقولها النفطية الداخلية بميناء الفجيرة المطل على خليج عُمان عبر خط أنابيب ينقل نحو 1.5 مليون برميل يومياً.
في يوليو 2021، دشنت إيران خط أنابيب “جورة-جاسك” لنقل النفط الخام إلى خليج عُمان، بقدرة تشغيلية حالية تبلغ نحو 350 ألف برميل يومياً، رغم أن تقارير تشير إلى أن طهران لم تتمكن بعد من استغلاله بكامل طاقته.
تُقدر إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن هذه الطرق البديلة يمكنها مجتمعةً نقل نحو 3.5 ملايين برميل يومياً، أي ما يعادل قرابة 15% من الكمية التي تمر حالياً عبر مضيق هرمز.