
في مونديال قطر 2022، حقَّق ليونيل ميسي الإنجاز الذي استعصى عليه طويلاً. بعد مسيرة حافلة بالألقاب مع برشلونة، قاد ميسي، وكان يبلغ آنذاك 35 عاماً، منتخب الأرجنتين إلى النهائي بعد بداية متعثرة بخسارة مفاجئة أمام السعودية في أولى مباريات المجموعة، وذلك حسب شبكة «The Athletic».
الأرجنتين تفادت الخروج أكثر من مرة، بدءاً من مباراة المكسيك التي كادت تطيح بها، ثم أمام هولندا في رُبع النهائي، حيث نجت بفضل ركلات الترجيح. في تلك البطولة، كان ميسي محاطاً بلاعبين شبّان نظروا إليه بوصفه قدوةً منذ الطفولة، وآخرين رأوا فيه أكثر من مجرد قائد، بل مصدر إلهام. هذا الانسجام غير الملموس كان مفتاح التتويج بلقب طال انتظاره.
واليوم، وبعد عامين ونصف العام، يجد ميسي نفسه في موقف مشابه من حيث رمزية القيادة، لكن دون ضغوط بطولة كأس العالم. إذ يخوض مع إنتر ميامي مواجهةً قوية أمام باريس سان جيرمان، ضمن دور الـ16 لكأس العالم للأندية. صحيح أن اللقب لا يضاهي المونديال من حيث القيمة، إلا أن الفريق الأميركي، الذي تأسس قبل 5 سنوات فقط، يعتمد كلياً على أسطورته الأرجنتينية إذا أراد صنع المفاجأة أمام بطل أوروبا.
في قطر، جاء التتويج بعد فوز بكأس «كوبا أميركا 2021»، وسط مجموعة واعدة تضم لاعبين مثل أليكسيس ماك أليستر، ورودريغو دي بول، وإنزو فرنانديز، الذين كانوا مستعدين لبذل كل شيء من أجل ميسي. أما في ميامي، فالوضع مختلف؛ التشكيلة الأساسية تضم أسماء لامعة مثل ميسي، ولويس سواريز، وجوردي ألبا، وسيرجيو بوسكيتس، لكنها تفتقر إلى عمق دكة البدلاء.
وهذا ما ظهر بوضوح خلال مباراة الفريق الأخيرة في دور المجموعات أمام بالميراس البرازيلي، عندما استعان المدرب خافيير ماسكيرانو بلاعبَيْن مغمورَيْن، فافا بيكولت وبنيامين كريماتشي؛ للمحافظة على تقدم 2 – 0. بالميراس عاد بقوة وعادل النتيجة، بل كاد يُقصي ميامي من البطولة.
مع ذلك، فإن تأثير ميسي داخل الفريق لا يُقاس بالأسماء. اللاعبون الشباب، وحتى القدامى مثل سواريز وبوسكيتس وألبا، يتعاملون معه بوصفه رمزاً، ويمنحونه كل ما لديهم. قال ألبا بعد مواجهة بالميراس: «عندما تشاهده يلعب وتلمس روحه التنافسية، تدرك أنه قادر على الاستمرار ما دام جسده يسمح بذلك. إنه كطفل… وما زال يصنع الفارق».
في هذا الأسبوع، احتفل ميسي بميلاده الـ38. لم يعد النجم الشاب المتوهج، لكنه لم يفقد شغفه بالتنافس. كما أنه يدرك أنه يقود نادياً حديث العهد، وربما كان يتمنى خوض مواجهة باريس سان جيرمان وسط منظومة أقوى. في عالم مثالي، لعل ميسي كان يفضِّل العودة إلى برشلونة وملاقاة الفريق الباريسي من بوابة دوري أبطال أوروبا، لكن الأزمة المالية لبرشلونة جعلت ذلك مستحيلاً، ودفعته إلى مغادرة أضواء أوروبا نحو راحة الحياة في الولايات المتحدة.
في المقابل، لا يبدو أن القدر منح ميسي نهايةً مثاليةً لتلك المرحلة. باريس سان جيرمان، خصمه المقبل، سحق أتلتيكو مدريد برباعية نظيفة في أولى مبارياته، ثم تلقى خسارة مفاجئة أمام بوتافوغو البرازيلي. ورغم الهزيمة، فإن فريق لويس إنريكي ما زال يُظهر أنه أقوى فرق البطولة من حيث الأداء والجودة الفنية، وقد تخطى بسهولة سياتل ساوندرز الأميركي بنتيجة 2 – 0.
ولكي يأمل ميامي بتحقيق المعجزة، عليه أن يقدِّم مباراةً شبه مثالية. ميسي، الذي غادر باريس بعد فترة باهتة، ربما يحمل مشاعر «ثأرية» خاصة. فقد استُقبل ببرود من جماهير باريس، التي لم تشعر بأنه منخرط بالكامل في مشروع النادي. وفي لقاء مع «أبل تي في» خلال فبراير (شباط) الماضي، كشف ميسي لأول مرة عن شعوره في باريس: «لطالما حلمت باللعب في الدوري الأميركي، وقلت ذلك مراراً. وجدت في إنتر ميامي فرصة مناسبة، خاصة بعد ما عشته في باريس. لم أكن سعيداً هناك. لم أستمتع بأي يوم، سواء في التدريبات أو المباريات. كانتا سنتان صعبتين».
تلك التصريحات لم تُحسِّن صورته لدى جماهير باريس، والآن سيواجه شعار النادي الذي مثّل مرحلةً غير محببة في مسيرته. ستكون هذه أول مرة يلاقي فيها أحد أنديته السابقة.
سُئل المدافع ماكسي فالكين عن مشاعر ميسي تجاه باريس، فأجاب: «عليكم أن تسألوه. لكن من الواضح أن كل لمسة له تصنع فرصةً. وعلينا أن نكون على قدر المسؤولية لدعمه». أما جوردي ألبا فكان أكثر صراحة، فقال: «حين واجهت فالنسيا شعرت بتأثر كبير، ولا أعرف نوع المشاعر التي سيحملها ميسي تجاه باريس. لكنه شخص تنافسي للغاية، ويريد الفوز دائماً، وسينقل هذه الروح للجميع».
وتابع ألبا: «ما حدث في باريس لا يعرفه إلا هو. لكن المباراة ستكون صعبة. نأمل أن نفاجئهم. أعلم جيداً ما يعنيه اللعب ضد فريق مثله».
ألبا وصف لويس إنريكي بأنه «أفضل مدرب في العالم»، ورأى أن باريس هو «الفريق الأكمل حالياً»، لكنه ختم بتساؤل يحمل في طياته الأمل: «لماذا لا نحلم؟».
نجوم ميامي لن يرغبوا برؤية قائدهم يتعرَّض لهزيمة قاسية. وكما في قطر، سيحاولون استلهام روحه القتالية. لكن يبقى السؤال: هل يستطيع ميسي، رغم تقدم السن وضعف الإمكانات، أن يكرّر سحره، ويقود فريقاً جديداً نحو مفاجأة تاريخية؟
«هذه هي كرة القدم، كل شيء ممكن»، قال فالكين، مضيفاً أن عقلية الرباعي سواريز، وبوسكيتس، وألبا وميسي تُلهم اللاعبين الشبان يومياً.
واختتم ألبا بتصريح واقعي: «سنحاول الفوز. سنقاتل، وندرك صعوبة المواجهة أمام بطل أوروبا. لكننا سنلعب من أجل الانتصار».