قصة قصيرة.. نظرات ليست كالنظرات

قصة قصيرة.. نظرات ليست كالنظرات

قصة قصيرة.. نظرات ليست كالنظرات

عزيز أشيبان
جلس الرجل بجانب زوجته في نفس المكان الذي اعتاد على استقبالهما من وقت لآخر منذ فترة الخطوبة، وكأنه التميمة التي تمنح البشارة وحسن الطالع لتجديد الانطلاقة ووأد الرتابة التي تهدد مسيرة تجربة الزواج.  يشاركهما هذا المكان الكثير من خبايا الأمور ويعرف العديد من الأسرار ويقدم لهما الرفقة  الطيبة والانصهار الجميل في الوجدان.

بعد تبادل أطوار الحديث حول تفاصيل ثانوية كما هو معهود، بادر الزوج زوجته بنوع من الغزل والإطراء وهو الذي اعتاد فعل ذلك متمردا على أساليب آبائه وأجداده في ثقافة تخاصم الحب وتتعامل معه بشتى أنواع التناقض واللامبالاة  ولا تعير اهتماما للتعبير عنه من خلال قوة الكلمات.

“أتذكر جيدا قوة نظراتك في أول لقاء، عندما اخترقت الوجدان دون استئذان بعنف السلاسة وليونة الاختراق حتى تملكت الحواس واستوطنت تفاصيل الجسد وطوقني الشلل عن إصدار ردة فعل ما. أتذكر جيدا كيف حاولت الغوص في أعماق تلك النظرات وكيف وقعت ضحية الغرق في محيط من الظلمات والألغاز وعوالم اللامتناهي. حقا شيء غريب وعجيب يعجز العقل عن الإلمام بحقيقته و كيفية حدوثه”

“تخيفني عباراتك! وتنتقل بخيالي إلى رذائل الغزو والعنف  والنهب والاستلاب. أحقا نظراتي بتلك القسوة والجبروت؟”

“بل هي جبروت الحب والثقة والأمان و انطلاق الروح إلى  عوالم الجمال والحسن وقيم الوفاء والإخلاص والعطاء الخالص. نظرات تنتصر للجمال الروحي وتجهز على سطوة المادي الغرائزي البدائي لتمنح الذات القوة الأبدية والطاقة المعنوية من أجل السمو والرقي وفهم الحياة والظفر بفن العيش الإنساني الصرف. نظرات تسمو بمستقبلها وتدعوه إلى الارتقاء وحسن الأداء.”

“لكنها صارت رتيبة مع مرور الأيام والسنوات!”

“هي نظرات لا تخضع لقانون الطبيعة رغم أنها تحيل على جمال كنوزها، إذ تحتفظ بقوة الجذب وبطاقة التحفيز وقوة الدفع. غير أنها تحتاج من يتقن قراءة رسائلها والغوص في ذخائرها.”

“قد تجد نظرات أخرى حيثما ذهبت وارتحلت ومن أعين أكثر جمالا ورقة ونعومة!”

“ما أكثر العيون وما ندرة صفاء النظرات. هي الجسر نحو صفاء الروح ونقاء السريرة و شرارة نار العطاء. ثم إن جمال العيون في عمق نظراتها وصفاء صدقها الذي جبلت عليه وخلقت للتعبير عنه وإلا أصابها المسخ واعتراها القبح.”

“لكن في حالة الغضب تتحول النظرات إلى نيران ترسل الوعيد والتهديد وربما الوعد بالانتقام.”

“بل تعبر على صفاء النيل وصدق اللوم والعتاب ووفاء الحب الخالص. تتحول إلى نظرات رعب وخوف وترهيب لمن أذنب في حقها ولم يحسن قراءة مضامينها. تستديم جمالها المتفرد في جميع الأحوال والأوقات وتخلد شخصية الحضور وجمال التمثل.”

كاتب مغربي

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: