العدوان الإسرائيلي على إيران.. كيف أثر اقتصاديا في الدول العربية؟

العدوان الإسرائيلي على إيران.. كيف أثر اقتصاديا في الدول العربية؟

العدوان الإسرائيلي على إيران.. كيف أثر اقتصاديا في الدول العربية؟

إسطنبول / طارق عبد العزيز / الأناضول
تسبب العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران بتأثيرات اقتصادية سلبية في دول عربية، تأرجحت بين تأثيرات آنية في قطاعات الطاقة والسياحة والاستثمار، ومخاوف استراتيجية بشأن أمن الإمدادات واستقرار الأسواق النقدية.
وفي 13 يونيو/ حزيران الجاري، شنت إسرائيل بدعم أمريكي عدوانا على إيران استمر 12 يوما، شمل مواقع عسكرية ونووية ومنشآت مدنية واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، وردت إيران باستهداف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، ثم أعلنت واشنطن في 24 من الشهر ذاته وقفا لإطلاق النار بين تل أبيب وطهران.
** الخليج العربي
وفي حديث للأناضول، قال الخبير الدولي في شؤون النفط والطاقة ممدوح سلامة، إن دول الخليج استفادت مؤقتا من ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 10 دولارات خلال الحرب، مشيرا إلى أن هذه المكاسب بدأت تتلاشى مع إعلان وقف النار.
وأضاف سلامة أن ميزانيات معظم الدول الخليجية تعتمد على سعر مرجعي لخام برنت يراوح بين 85 و95 دولارا للبرميل.
وأكد أن “الأسعار الحالية أقل بكثير من هذا المستوى، ما يضع هذه الدول وفي مقدمتها السعودية، أمام تحد في تغطية نفقاتها”.
كما أوضح أن “للصين دورا محوريا في تحديد مداخيل دول الخليج النفطية، كونها أكبر مستورد للنفط في العالم، ومصدرا رئيسيا للطلب على الخام الخليجي”.
وعن بدائل دول الخليج للهروب من فكرة المنفذ الواحد، أكد أن مضيق هرمز سيظل ثاني أهم ممر مائي في العالم لتصدير النفط بعد مضيق ملقا (بين إندونيسيا وماليزيا وتايلاند)، معتبرا أن اعتماد دول الخليج على المضيق “سيبقى لعقود طويلة قادمة، إن لم يكن إلى الأبد”.
وذكر أن السعودية تملك حاليا خط أنابيب ينقل النفط من الحقول الشرقية إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، بطاقة بين 2 و4 ملايين برميل يوميا، ما يمكن المملكة من تصدير نحو نصف إنتاجها النفطي حتى في حال إغلاق مضيق هرمز.
أما الإمارات، فأشار سلامة إلى أنها تعتمد على خط أنابيب يمتد من أبو ظبي إلى ميناء الفجيرة، بطاقة تصل إلى 1.8 مليون برميل يوميا.
ورأى أن “هذه البدائل قد تسمح بخفض الكميات المارة عبر مضيق هرمز من 20 مليون برميل إلى 14.5 مليون برميل يوميا، لكنها لا تلغي الاعتماد الكامل عليه”.
** الاعتماد على “هرمز”
بدوره، قال الخبير الاقتصادي نايل الجوابرة، وهو كبير استراتيجيي الأسواق في “في تي ماركتس”، إن الحرب الإسرائيلية الإيرانية خلّفت آثارا مباشرة على اقتصادات الخليج، خاصة في أسواق المال.
وأوضح الجوابرة للأناضول، أن الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل أدت إلى موجات بيع ملحوظة في الأسواق الخليجية، مدفوعة بعوامل قلق عالمية.
كما أشار إلى أن استمرار تدفق النفط عبر مضيق هرمز، وعدم إغلاقه، لعب دورا مهما في تهدئة المخاوف، باعتباره شريان حياة حيويا لعدد من الدول النفطية في المنطقة، “خصوصا عبر مؤشرات عالمية مثل MSCI و(فوتسي)، ما دعم ارتفاعات جماعية في الأسهم القيادية، ورسخ النظرة المتفائلة حيال أداء الأسواق خلال النصف الثاني من العام”.
وأضاف أن دولا مثل إيران والكويت والعراق وقطر تعتمد على هرمز بشكل شبه كامل لتصدير نفطها، ما يعني أنها ستكون الأكثر تضررا في حال تعطلت الإمدادات.
وخلال العدوان الإسرائيلي عليها، لوحت طهران بإغلاق مضيق هرمز الذي يقع بين إيران من الشمال والإمارات وسلطنة عمان من الجنوب ويربط بين الخليج العربي شمالا وخليج عمان وبحر العرب جنوبا، ويعبر منه نحو 40 بالمئة من النفط المنقول بحرا في العالم، و20 بالمئة من الغاز المسال، و22 بالمئة من السلع الأساسية.
** الأردن
في الأردن، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش، إن العدوان الإسرائيلي ألقى بظلاله على اقتصاد المملكة، لا سيما في قطاع الطاقة، بعد أن توقفت إمدادات الغاز الإسرائيلي التي يعتمد عليها الأردن في توليد الكهرباء.
وأضاف عايش للأناضول، أن هذا التوقف أجبر المملكة على التحول إلى استخدام الوقود الثقيل والديزل، وهي خيارات أكثر تكلفة.
وأوضح أن “ما جرى خلال أيام الحرب الأخيرة يحتم على الأردن إعادة النظر في استراتيجية أمن الطاقة، والبحث عن مصادر أخرى للغاز أكثر استقرارا، سواء محليا أو عبر اتفاقيات”.
الخبير الأردني رأى أنه من الضروري رفع المخزون الاستراتيجي للنفط والغاز من نحو شهر ونصف إلى ثلاثة أو أربعة أشهر، مشددا على أهمية العمل لتحقيق قدر معقول من الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية”.
ويستورد الأردن الغاز من إسرائيل بموجب اتفاقية أبرمت بين الطرفين عام 2016 وبدأ العمل بها عام 2020 لمدة 15 سنة، قبل أن توقفها تل أبيب خلال عدوانها الأخير على إيران.
وبشأن قطاع السياحة، أشار عايش إلى أنه تعرض لخسارة كبيرة، حيث بلغت نسبة إلغاء الحجوزات نحو 95 بالمئة، ما ضرب موسم الصيف في مهده، رغم أن الشهور الخمسة الأولى من 2025 سجلت نموا سنويا بنسبة 15.7 بالمئة في الإيرادات.
وبين أن عودة القطاع السياحي إلى مساره الطبيعي تتطلب وقتا، نظرا لترقب السياح والمستثمرين استقرار الأوضاع وتثبيت وقف إطلاق النار.
وشهدت الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري أداء قويا في السياحة، حيث ارتفعت الإيرادات 15.7 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي لتصل إلى 3.1 مليارات دولار، فيما نمت أعداد السياح خلال الفترة نفسها بـ 20.6 بالمئة.
ولفت عايش إلى أن العدوان الإسرائيلي على إيران أبطأ وتيرة الأداء الاقتصادي، مشيرا إلى أن “عودة الهدوء مقرونة بإجراءات حكومية تحفيزية تمكن الاقتصاد من تجاوز الآثار السلبية المحدودة”.
** مصر
وفي مصر، رصدت الأناضول أول الانعكاسات عبر ارتفاع بعض الأسعار، ما تسبب في إرباك لإدارة الخزانة العامة بحسب الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب.
وأشار عبد المطلب في تصريحات للأناضول، إلى “ارتفاع في أسعار عدد قليل من السلع بين 2 و10 بالمئة داخل مصر”.
وأضاف أن “توقف إمدادات الغاز من إسرائيل (المعمول بها منذ 2020 لمدة 15 عاما) أعاد الحديث عن احتمالية عودة الحكومة إلى تخفيف الأحمال الكهربائية، وهي سياسة قدرت خسائرها منذ ثلاث سنوات بأكثر من 4 مليارات دولار سنويا، في حين كان يقدر تكلفة الغاز اللازم لتوليد الكهرباء حينها بين مليار و1.5 مليار دولار”.
عبد المطلب لفت إلى تراجع سعر صرف العملة المصرية إلى 51 جنيها للدولار الواحد.
وأوضح أن البنك المركزي “نجح في إيجاد وفرة مؤقتة من النقد الأجنبي عبر إجراءات رقابية، شملت وضع قيود على صرف الحوالات الخارجية”.
وتوقع أن يعود سعر الصرف إلى ما دون 50 جنيها للدولار حال استمرار الهدوء في المنطقة.
أما على صعيد أسواق المال، فقال إن البورصة المصرية أظهرت قدرة ملحوظة على التماسك خلال فترة العدوان الإسرائيلي على إيران رغم الضغوط الإقليمية على الأسواق الناشئة، مضيفا أن حجم الأموال الأجنبية التي خرجت من سوق المال “محدود”.
وأرجع ذلك إلى “الاستقرار النسبي في المنطقة، فضلا عن غياب عمليات بيع جماعية كبيرة، كما حدث في بورصات أخرى”.
وختم عبد المطلب حديثه بالقول إن قطاع السياحة لم يتضرر، بل شهد انتعاشا في مناطق مثل سيناء، مشيرا إلى أن “السياحة الإسرائيلية شهدت نشاطا محدودا في بعض المعابر”، فضلا عن عدم حدوث أي إلغاء جوي في مصر.
وفي 15 يونيو الجاري، تكبدت البورصة المصرية خسائر فادحة في أولى جلساتها عقب اندلاع الحرب، إذ هوى المؤشر الرئيسي “إيجي إكس 30” بأكثر من 1495 نقطة، بينما تراجع رأس المال السوقي بنحو 94 مليار جنيه (1.9 مليار دولار).

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: