
في الوقت الذي تمر فيه مالي بمرحلة دقيقة من تاريخها، بعد قرارات سياسية داخلية، أقدم عليها المجلس العسكري الحاكم، اختارت الجزائر أن تُشهر أدواتها الإعلامية والدبلوماسية في وجه جارتها الجنوبية، متجاوزة بذلك مبدأ حسن الجوار ومتناسية أن الشعوب هي من تدفع ثمن التوترات المصطنعة.
فقد سخّرت وسائل إعلامها الرسمية لتوجيه سهام النقد، بل والتحريض، ضد النظام المالي، في تدخل سافر وغير مبرر في الشأن الداخلي للجيران، واصفا قرار السلطات في باماكو بمنح أسيمي غويتا ولاية رئاسية دون انتخابات، بأنه “خطوة تُكرّس الدكتاتورية وتُحيد مالي عن سكة الشرعية”، في موقف يكشف بوضوح نية الجزائر في التدخل السياسي والإعلامي في خيارات دولة ذات سيادة.
فبدل أن تعتمد الجزائر على لغة الحوار والدعم الهادئ عبر قنوات دبلوماسية محترمة، فضّلت التدخل عبر تقارير وثائقية وتصريحات أمنية تنضح بالوصاية وتكشف عن نوايا سياسية مبيتة تجاه باماكو.
والأخطر من ذلك أن الجيش الجزائري، الذي يفترض فيه أن ينشغل بحماية حدوده، دخل على خط العلاقات الخارجية عبر “تحليلات استراتيجية” تضع مالي في خانة التهديد الأمني، ضاربًا بعرض الحائط أبجديات الحياد الإقليمي.
صحيح أن منطقة الساحل تعاني من هشاشة أمنية واضحة، لكن تحميل مالي وحدها مسؤولية ذلك هو قفز على الواقع، وتغافل عن الأدوار السلبية التي لعبتها أطراف عدة، بينها الجزائر نفسها، في إدارة الأزمات الحدودية بشكل منفرد، وإقصاء المبادرات الجماعية الفاعلة.
مالي ليست بوابة الإرهاب كما تحاول أبواق الجزائر أن تروج، بل دولة تسعى لإعادة ترتيب بيتها الداخلي وفق معادلاتها السيادية.
وإن كانت هناك انتقادات مشروعة لبعض قراراتها الأخيرة، فإن من يملك سجلًا نظيفًا في الديمقراطية وحقوق الإنسان هو من يحق له أن يعظ، وليس من تغلق حدوده أمام جيرانه وتنصّب نفسه وصيًا على اختياراتهم.
الجزائر اليوم مدعوة إلى مراجعة خطابها المتعالي، والتخلي عن سياسة “المحاضِر الأخلاقي” في محيط إفريقي لم يعد يقبل بالإملاءات.
فمن يزرع الاحتقان الإعلامي والسياسي لا يمكنه أن يدّعي أنه حريص على الاستقرار.