
توقّع بنك الاستثمار الأمريكي “جولدمان ساكس” أن يُقدم مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على خفض أسعار الفائدة ثلاث مرات خلال العام الجاري، مستندًا في تحليله إلى تأثيرات محدودة للرسوم الجمركية وضعف متزايد في سوق العمل.
ووفقًا لمذكرة بحثية صادرة عن البنك، فإن هذا التغيير في التوقعات يأتي بعد أن كانت التقديرات السابقة تشير إلى بدء دورة التيسير النقدي في ديسمبر فقط، ما يعكس تحوّلًا في رؤية البنك لمسار السياسة النقدية الأمريكية خلال الفترة المقبلة.
وترتبط هذه التوقعات بسياق اقتصادي يشهد حالة من عدم اليقين نتيجة السياسات التجارية الأمريكية، لا سيما فرض رسوم جمركية جديدة على واردات من دول رئيسية مثل الصين.
وقد أثارت هذه الرسوم مخاوف من ارتفاع معدلات التضخم، إلا أن بيانات حديثة أظهرت أن الأثر التضخمي للرسوم كان أقل من المتوقع، حيث اعتبره محللو “جولدمان ساكس” تأثيرًا لمرة واحدة على مستوى الأسعار، وليس ضغطًا تضخميًا مستمرًا.
وأشار البنك في مذكرته إلى أن عدة عوامل دفعتهم إلى تقديم موعد خفض الفائدة، من أبرزها أن تأثير الرسوم الجمركية جاء أقل من التوقعات، ما خفّف من الضغوط التضخمية على الاقتصاد الأمريكي، إلى جانب استمرار الاتجاهات الانكماشية مثل تباطؤ نمو الأجور، وتراجع التضخم في إيجارات المنازل، وضعف الطلب على السفر، وهو ما يعزز مناخ التباطؤ التضخمي في الولايات المتحدة.
كما لفت البنك إلى بوادر ضعف في سوق العمل، سواء من خلال تراجع فعلي أو تقلبات كبيرة في بيانات التوظيف الشهرية، ما يشير إلى احتمالية حدوث تباطؤ اقتصادي أوسع.
وبناءً على هذه المعطيات، يرى “جولدمان ساكس” أن هناك عدة سيناريوهات قد تدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى بدء التخفيض في سبتمبر، منها استمرار ضعف تأثير الرسوم الجمركية على التضخم، وتسارع وتيرة انخفاض معدلات التضخم، وظهور مؤشرات على ضعف فعلي أو متوقع في سوق العمل الأمريكي.
ونتيجة لذلك، خفّض البنك توقعاته لمعدل الفائدة النهائي إلى نطاق يتراوح بين 3% و3.25%، مقارنة بتوقعاته السابقة التي كانت بين 3.5% و3.75%، ما يعكس قناعة بأن السياسة النقدية قد لا تحتاج إلى نفس مستوى التشديد الذي كان متوقعًا سابقًا.
وفي ظل هذه التغيرات، رفع “جولدمان ساكس” تقديراته لاحتمال دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود خلال عام 2025 إلى 45%، مقابل 35% في تقديراته السابقة، ويُعزى ذلك إلى تصاعد المخاوف من تشديد الأوضاع المالية وتراجع الإنفاق الاستثماري، نتيجة حالة عدم اليقين السياسي والتجاري، إضافة إلى مخاطر مقاطعة المستهلكين الأجانب للسلع الأمريكية.
ويرى البنك أن الفيدرالي قد يفضّل اتخاذ سلسلة من التخفيضات المتتالية إذا ظهرت مؤشرات واضحة على ضعف سوق العمل أو استمرار تراجع التضخم، على غرار ما حدث في عام 2019، إلا أنه لا يتوقع خفضًا للفائدة في يوليو المقبل إلا إذا صدرت بيانات توظيف ضعيفة بشكل استثنائي.
من ناحية أخرى، هناك مخاوف من أن استمرار حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية قد يدفع الشركات إلى تقليص استثماراتها أو تأجيل خطط التوسع، وهو ما قد ينعكس سلبًا على معدلات النمو الاقتصادي خلال الأشهر المقبلة. كما أن ارتفاع أسعار الفائدة خلال الفترة الماضية أدى إلى زيادة تكاليف الاقتراض على الأسر والشركات، ما ساهم في تباطؤ سوق العقارات وتراجع مبيعات السيارات وغيرها من القطاعات الحساسة للفائدة.
وفي اجتماعه الأخير، ثبّت الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة دون تغيير، بما يتوافق مع توقعات الأسواق. وأبقت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، المُحددة لأسعار الفائدة، النطاق المستهدف لسعر الفائدة الرئيسي عند 4.25% إلى 4.5%، وهو المستوى المُعتمد منذ ديسمبر الماضي.