د. زين العابدين الحسين: الشفافية ركيزة أساسية لنهضة اقتصاد سوريا

د. زين العابدين الحسين: الشفافية ركيزة أساسية لنهضة اقتصاد سوريا

د. زين العابدين الحسين: الشفافية ركيزة أساسية لنهضة اقتصاد سوريا

د. زين العابدين الحسين
تُعد الشفافية ركيزة أساسية  لبناء الدولة، أو لأي عملية إصلاح إداري أو اقتصادي حقيقي، وفي الحالة السورية، تكتسب الشفافية أهمية مضاعفة في ظل التحديات السياسية والاقتصادية الكبيرة التي تمر بها البلاد.
وقد اعتاد المواطن السوري، لسنوات طويلة، أن يستيقظ على قرارات اقتصادية حكومية مفاجئة: رفع أسعار، تغيير في السياسات النقدية، ضرائب جديدة… كل ذلك دون أي شرح لأسباب هذه القرارات أو أهدافها. مما ساهم في تعميق الهوة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وخلق بيئة من الشك وانعدام الثقة؛ لأن القرارات المفاجئة وغير المبررة تؤدي إلى ارتباك في الأوساط الاقتصادية، خاصة إذا تعلّقت بأسعار الصرف، أو الرسوم الجمركية، أو القوانين الضريبية. كما أن رؤوس الأموال تحتاج إلى بيئة مستقرة وواضحة لاتخاذ قرارات استثمارية مناسبة، لا سيما في مجال القطاع المالي المصرفي وغير المصرفي.
في المقابل، تؤكد التجارب الدولية أن الشفافية في صناعة القرار الاقتصادي تعزز الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وتجعل المواطن شريكاً حقيقياً في نجاح السياسات العامة. ولذلك، من الضروري أن تتبنى الحكومة نهجاً جديداً يقوم على إعلان القرارات مسبقاً، مع بيان أسبابها ونتائجها المتوقعة، حتى تكون مفهومة ومبررة أمام الرأي العام.
وقد أكد على ذلك الرئيس السوري أحمد الشرع، عند تشكيل الحكومة، حيث قال “أعدكم أن أكون معكم خطوة بخطوة لبناء المستقبل، وسنسعى جاهدين لبناء مؤسسات الدولة على أساس من الشفافية والمساءلة”.
وفي إطار التوجه نحو اقتصاد السوق، لا بد أن ترتكز القرارات الاقتصادية على أسس علمية، وأن تكون معلنة وواضحة، مع توفير بيانات وإحصاءات تدعمها، وأن تُطرح للنقاش مع ذوي الاختصاص من الاقتصاديين والمجتمع المدني قبل إصدارها. فهذا لا يزيد فقط من فعاليتها، بل يمنحها الموثوقية أيضاً.
ويمكن توضيح أهمية تطبيق الشفافية، كونه يساعد في نجاح عمل الحكومة والمضي نحو مستقبل اقتصادي مستقر ومزدهر في النقاط التالية:
1- استعادة ثقة المواطن والمستثمر:

الشفافية تُعيد بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين بعد سنوات من فقدان الثقة بسبب الفساد والمحسوبيات.

كما أنها تشكّل شرطاً أساسياً لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، إذ لا يمكن لأي مستثمر أن يغامر بأمواله في بيئة يغيب عنها وضوح القوانين وشفافية المعاملات.

2- مكافحة الفساد:

الشفافية تكشف مواطن الفساد وتحدّ من التلاعب بالموارد العامة.

تتيح للمواطنين ووسائل الإعلام والمجتمع المدني مراقبة أداء الحكومة، مما يشكّل رادعاً حقيقياً للفاسدين داخل أجهزة الدولة.

3- رفع كفاءة الإنفاق العام:

من خلال الإعلان عن الموازنات والصفقات والعقود الحكومية، يمكن ترشيد الإنفاق وضمان توجيهه نحو الأولويات الوطنية كالصحة، والتعليم، والبنية التحتية.

كما تساعد الشفافية في تقليل الهدر وسوء الإدارة المالية.

4-  تحقيق العدالة في توزيع الموارد:

تساهم الشفافية في ضمان توزيع الموارد بشكل عادل، وتمنع التمييز أو احتكار الفرص من قبل قلة متنفذة.

5- تمهيد الطريق للإصلاح الاقتصادي:

الإصلاحات الاقتصادية تتطلب بيئة قانونية وإدارية شفافة تكون فيها الإجراءات واضحة، وتُراعى فيها مبادئ المحاسبة.

الشفافية تُسهل إصدار قرارات اقتصادية مدروسة تستند إلى معلومات حقيقية وبيانات واضحة.

6- تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص:

القطاع الخاص يحتاج إلى وضوح في السياسات الاقتصادية وقوانين، مثل الاستثمار والضرائب…

تطبيق الشفافية يفتح الباب أمام تعاون فاعل بين الدولة والمستثمرين، ما يعزز النمو ويوفر مزيداً من فرص العمل.

وبناءً على ما تقدم، إنَّ تطبيق الشفافية من قبل الإدارة السورية الجديدة، يعدُّ ضرورة استراتيجية، إذ تمثّل البوابة نحو تحسين الأداء الحكومي، وجذب الاستثمار، وتحقيق التنمية الشاملة، والخروج من دوائر الفساد والركود؛ لأنها ليست مجرد إعلان للمعلومات، بل هي التزام سياسي وأخلاقي بنهج جديد يعيد بناء الدولة على أسس حديثة وفعالة.
والسلام لسوريا الحبيبة.
دكتور في الحقوق, مدرس في الأكاديمية العربية الدولية.
المحافظة: القاهرة

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: