تعديلات “القيمة المضافة”.. بين دعم الحصيلة ومطالبات المجتمع الضريبى – وطني

تعديلات “القيمة المضافة”.. بين دعم الحصيلة ومطالبات المجتمع الضريبى – وطني

في ظل مساعي الحكومة لتعزيز الإيرادات الضريبية وتوسيع قاعدتها دون تحميل المواطن أعباء مباشرة، أقر مجلس النواب خلال دور الانعقاد الحالي تعديلات جديدة على قانون ضريبة القيمة المضافة رقم 67 لسنة 2016.

وتستهدف التعديلات دعم الحصيلة العامة للخزانة، خاصة في ظل ضغوط مالية ناتجة عن التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية، إلا أنها أثارت في المقابل جدلاً واسعاً داخل الأوساط الاقتصادية والضريبية، لا سيما مع تأثيرها المباشر على قطاعات مثل المقاولات، العقارات، والطاقة.

وتضمنت التعديلات فرض ضريبة جدول بنسبة 10% على البترول الخام، ورفع ضريبة نشاط المقاولات من 5% إلى 14% مع السماح بخصم المدخلات، بجانب فرض زيادات سنوية على السجائر بنسبة 12%، وإلغاء بعض الإعفاءات التي كانت ممنوحة سابقاً للإعلانات وخدمات وكالات الأنباء.

وبينما ترى الحكومة أن هذه التعديلات خطوة ضرورية نحو ضبط النظام الضريبي وتحقيق العدالة بين القطاعات، عبّر خبراء وممثلون عن مجتمع الأعمال عن مخاوفهم من التبعات المحتملة على الأسعار وتكاليف الاستثمار، مؤكدين الحاجة إلى مراجعة بعض البنود الفنية وتوسيع نطاق الحوار المجتمعي قبل التطبيق الكامل.

نصر: التعديلات تأثيرها محدود للغاية على أسعار العقارات

قال حسام نصر شريك الضرائب بـ”إرنست آند يونج” إن تحويل أنشطة المقاولات من الضريبة بنظام الجدول 5% إلى السعر العام للقيمة المضافة 14% سيساهم في تعزيز الامتثال الضريبي وضبط السوق.

وأوضح أن التعديلات ستشجع الانضمام للقطاع الرسمي، وسيسهم في توسيع القاعدة الضريبية، خاصة مع إتاحة خصم ضريبة على المدخلات.

فيما خفض نصر من تأثير الضريبة على أسعار العقارات، لافتاً إلى أن الضريبة الإضافية المتوقعة قد ترفع التكاليف بنسبة من 1% إلى 2% من إجمالى مدخلات المقاولة والتي تمثل ثلث تكاليف المشروع الفعلية.

في حين عبر عدد من المتعاملين أن الضريبة الإضافية قد تسهم في زيادة أسعار العقارات بنفس النسبة لأن المستهلك النهائي هو من سيتحملها مما قد يخفض الطلب على العقارات في الفترة المقبلة.

كما أشار نصر إلى أن فرض ضريبة قطعية 10% على خام البترول – وليس المنتجات البترولية يأتي في إطار توسيع القاعدة الضريبية دون تأثيرها على المستهلك، موضحاً أن الهيئة العامة للبترول ستتحمل هذه الضريبة ضمن تكاليفها التشغيلية.

وأوضح نصر أن فرض ضريبة قيمة مضافة إضافية على السجائر والمشروبات الكحولية يُعد خطوة معتادة في السياسات الضريبية الدولية، تستهدف تحقيق مردود مالي سريع للخزانة العامة، إلى جانب البُعد الصحي المتعلق بتقليل الاستهلاك، لافتاً إلى أن اعتماد آلية الزيادة السنوية التصاعدية للسجائر بنسبة 12% حتى عام 2028 يعكس رغبة الحكومة في توفير مصدر إيرادات مستدام.

كما تسهم التعديلات فى ضبط آليات الرقابة على التهريب والتداول غير الرسمي للمشروبات الكحولية، وهو ما يستوجب تعزيز أدوات التحصيل والرقابة لضمان فعالية التطبيق.

يذكر أن وزارة المالية عدلت سعر ضريبة القيمة المضافة على المشروبات الكحولية للتراوح بين 2800 جنيه للمشروبات الكحولية أقل من 8% نسبة كحول لكل هيكتولتر “مائة لتر” حتى 4800 جنيه للمشروبات الكحولية بنسبة تركيز أعلى من 16% لكل هيكتولتر.

شوقي: رفع حد التسجيل ضرورة لمواكبة التضخم وتعويم الجنيه

ومن جانبه قال شريف شوقي رئيس قطاع الضرائب بمكتب برايس ووتر هاوس كوبرز” إن التعديلات الضريبية ستعزز الإيرادات الضريبة والمساعدة في القضاء على انتشار ظاهرة السجائر المهربة ومعالجة تحديات تطبيق ضريبة القيمة المضافة.

ونوه إن التعديلات تمت دون إجراء حوار مجتمعي مع مجتمع الأعمال وخبراء الضرائب كما هو متبع عند إجراء بعض التعديلات في قوانين الضرائب وخاصة ضريبة القيمة المضافة.
فيما حذر من أن التعديلات المرتقبة سيكون لها أثر كبير على التكاليف الاستثمارية للمشروعات، وكذا على أسعار بعض السلع والخدمات التي تتأثر بطريقه مباشرة او غير مباشرة عند إجراء أى تعديلات في أسعار الضريبة.

ولفت أن خضوع نشاط المقاولات لضريبة القيمة المضافة بفئه 14% سيسمح بخصم ضريبة المدخلات وهو مالم يكن مسموح به في ظل ضريبة الجدول، مشيرًا إلى أن التعديل يساعد في حل كثير من مشكلات تطبيق ضريبة الجدول على هذا النشاط، كما يقلل العبء الضريبي لبعض القطاعات مثل قطاع الاعمال الكهروميكانيكية ومنها محطات الكهرباء المياه والصرف الصحي.

وطالب شوقي بضرورة رفع حد التسجيل للقيمة المضافة حيث أنه لم يتغير منذ إقرار القانون في سبتمبر 2016 رغم التعويم عدة مرات وارتفاع الاسعار والتضخم.

أبوزهرة: الفاتورة الإلكترونية فى قطاع المقاولات تحتاج رقابة صارمة

ويرى خالد أبو زهرة شريك ضرائب رئيسي بمكتب MEC أن التعديلات المرتقبة سيكون لها أثر كبير على قطاع المقاولات لا سيما وأن شركات المقاولات تُواجه حالياً تحديات كبيرة في التطبيق العملي لقواعد الضريبة على القيمة المضافة، نظرًا لطبيعة نشاطها الذي يتم على مراحل وقد يمتد لسنوات، وهو ما يؤدي إلى تفاوت كبير بين توقيت شراء المدخلات وتوقيت تسليم الأعمال واستحقاق الإيرادات.

ولفت أن عند تسوية المعاملات الضريبية لكل فترة، تكون كفة المشتريات والمدخلات أثقل بكثير من المخرجات، نظرًا لطول دورة تنفيذ المشروعات، وهو ما يُصعّب احتساب الضريبة المستحقة بدقة، خاصة في ظل غياب آلية مرنة تعكس الطبيعة الزمنية الطويلة لتلك التعاقدات.

وطالب أبو زهرة بضرورة إحكام الرقابة على تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية في قطاع المقاولات، مؤكدين أن هذا القطاع يتميز بتعقيداته وتعدد أطرافه، ما يتطلب آليات رقابية دقيقة لضمان الالتزام وإدراج جميع المعاملات ضمن المنظومة، بما يسهم في الحد من التلاعب الضريبي وتعزيز الشفافية في السوق.

كما نوه إلى أن الإدارة الضريبية تواجه تحديات فى فحص ملفات المقاولات، ما يؤدي إلى تراكم الملفات لسنوات واحتمال سقوط بعضها بالتقادم، الأمر الذي يُفاقم من حجم المنازعات الضريبية، لا سيما بشأن ما يجوز خصمه كمدخلات وما لا يجوز، وهو ما يستدعي ضرورة مراجعة أسلوب المحاسبة المطبق على هذا القطاع الحيوي.

خليل: ضرورة تعديل بنود اعفاءات العقارات منعا للمنازعات وفوضى التفسيرات

قال محمود خليل مستشار الضرائب ” بمكتب فورفز مازرز مصطفى شوقى ” وعضو مجلس جمعية الضرائب المصرية إن إعادة صياغة البند 28 من قائمة السلع والخدمات المعفاة من الضريبة على القيمة المضافة، ليشمل بشكل صريح “بيع وتأجير الأراضي الفضاء والأراضي الزراعية والوحدات السكنية”، مع إخضاع ما عدا ذلك للضريبة سواء كضريبة جدول أو ضريبة قيمة مضافة بنسبة 1% أو أكثر، وفق ما يراه المشرع مناسبًا.

وأوضح خليل أن الصياغة الحالية للبند تسببت في خلافات واسعة بين المصلحة والممولين بسبب غموض ما يُعفى وما يُخضع، خاصة في حالات التصرفات العقارية أو تأجير الوحدات لأغراض غير سكنية، وهو ما أدى إلى تراكم المنازعات وتضارب التفسيرات.

وأضاف أن هذا التعديل المقترح من شأنه تحقيق الوضوح التشريعي والحد من التفسيرات المتباينة، بما يعزز من كفاءة التطبيق ويُسهم في استقرار المنظومة الضريبية، دون أن يُحمّل النشاط العقاري أعباء ضريبية كبيرة.

كما أفاد بأن الحكومة تبنّت مؤخرًا ما يُعرف بـ”الضريبة الصحية” على منتجات مثل السجائر والمشروبات الكحولية، بهدف الالتزام بالمعايير التي حددتها منظمة الصحة العالمية، وذلك من خلال فرض ضرائب تصاعدية تتناسب مع نسب الكحول في المشروبات، وتقليل معدلات استهلاك التبغ، في إطار جهودها للحد من الأمراض المرتبطة بهذه المنتجات. كما تستهدف الحكومة توجيه حصيلة تلك الضرائب لدعم قطاعي الصحة والتعليم.

وفي هذا السياق، يرى ضرورة أن تتوسع الحكومة في تطبيق فلسفة “الضريبة المعيارية” لتشمل أيضًا البُعد البيئي، من خلال فرض “ضريبة بيئية” على الأنشطة الصناعية التي تُخلّف آثارًا سلبية على البيئة، مثل مصانع إنتاج أسود الكربون، والحديد، والسيراميك، والمدابغ وغيرها من الصناعات الثقيلة.
واقترح توجيه الحصيلة المحصلة من هذه الضريبة لدعم المنظومة الصحية، بما يحقق توازنًا بين التنمية الصناعية وحماية البيئة، ويعزز من كفاءة الإنفاق العام على الخدمات الأساسية.

بينما دعا عدد من خبراء الضرائب إلى ضرورة توحيد المعاملة الضريبية لكافة الأنشطة، سواء كانت تجارية أو صناعية أو مهنية، من خلال إخضاعها لشريحة واحدة ضمن قانون الضريبة على القيمة المضافة، مع تطبيق نظام الخصم على المدخلات، بما يعزز العدالة الضريبية ويُزيل الفروق الحالية بين القطاعات المختلفة.

وأوضح الخبراء أن بعض الأنشطة المهنية تخضع حاليًا لضريبة جدول ثابتة لا تسمح بخصم ضريبة المدخلات، بعكس ما يتم مع الأنشطة التجارية والصناعية، وهو ما يخلق تمييزًا غير مبرر.
وطالبوا بإخراج النشاط المهني من ضريبة الجدول وإدخاله ضمن الفئة العامة للضريبة 14% مع السماح بالخصم، لضمان المساواة في عبء الضريبة وتحقيق الشفافية في التطبيق
وتبقى التعديلات الأخيرة على قانون الضريبة على القيمة المضافة خطوة كبيرة نحو إعادة ضبط الهيكل الضريبي وتحقيق الشمول المالي، غير أن تباين الآراء بين الخبراء بشأن آثارها المحتملة يطرح تساؤلات مهمة حول مدى جاهزية السوق والبنية الإدارية للتعامل مع هذه التغيرات المعقدة… فهل تنجح الحكومة في تحقيق العدالة الضريبية دون أن تُثقل كاهل القطاعات الإنتاجية والمستهلك النهائي؟