بنغازي تقيّد تحركات البعثات والمنظمات الدولية بداعي «السيادة الوطنية»

بنغازي تقيّد تحركات البعثات والمنظمات الدولية بداعي «السيادة الوطنية»

فرضت سلطات شرق ليبيا، ممثَّلة في حكومة أسامة حمّاد، قيوداً على تحركات أفراد البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية داخل البلاد، وأدرجت ذلك ضمن ما سمّته «ضوابط تحقق التوزان بين الالتزامات الدولية، وضرورة فرض الأمن والسيادة الوطنية».

ودعت حكومة حمّاد، مساء الأحد، البعثات والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، إلى «الالتزام الكامل بالأغراض الدبلوماسية»، مشددة على «عدم القيام بأي زيارات أو لقاءات رسمية داخل الدولة الليبية دون إشعار مسبق وموافقة الجهات المختصة»، ومؤكدة ضرورة «إخطار الجهات المختصة بأي أنشطة رسمية أو شبه رسمية تعتزم القيام بها».

رئيسة البعثة الأممية هانا تيتيه ونائبتها ستيفاني خوري (البعثة الأممية)

والتصعيد ضد المنظمات الدولية العاملة في ليبيا قاسم مشترك بين سلطات بنغازي وطرابلس، ويرجعه حقوقيون محليون إلى أمور «تتعلق بالتقارير التي تصدرها بعض هذه المنظمات من وقت إلى آخر حول عملية حقوق الإنسان في البلاد».

وقال حقوقي ليبي يقيم في بنغازي لـ«الشرق الأوسط»، إن حكومتي حمّاد وغريمتها «الوحدة» في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، «تسعيان دائماً لغلّ يد المنظمات والبعثات الدولية عن كشف انتهاكات تُرتكب في ليبيا».

وذهب الحقوقي إلى أن «ملفات السياسيين والحقوقيين الذين غُيّبوا في بنغازي وطرابلس، يجب أن تُفتح من جديد»، وضرب مثلاً بالنائبين إبراهيم الدرسي وسهام سرقيوة، وكذلك الناشط عبد المعز بانوب، الذين اختفوا في طرابلس منذ عام 2014.

لقاء بين وزير الخارجية في حكومة حماد وممثلي المنظمة الدولية للهجرة في 17 يوليو 2024 (وزارة الخارجية)

وكانت أسرة الدرسي قد أعلنت عن خطفه من منزله بمدينة بنغازي في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. وتسرب في مايو (أيار) 2025، مقطع فيديو للنائب وهو معتقل في زنزانة والأغلال معلقة في عنقه، مما أثار حالة من الغضب الشعبي. كما اقتاد مسلحون النائبة سهام سرقيوة من منزلها في مدينة بنغازي عام 2019، ولا يزال مصيرها مجهولاً حتى الآن.

تصعيد سابق

وسبق وصعّدت حكومة حمّاد موقفها مع البعثة الأممية نهاية الشهر الماضي، وفرضت قيوداً مشددة على تحركات ونشاطات أعضائها، وطالبتها على نحو غير مسبوق بمغادرة ليبيا، وذلك على خلفية الإحاطة الأخيرة لرئيستها هانا تيتيه أمام مجلس الأمن الدولي.

وكانت تيتيه قد انتقدت في إحاطتها الشهر الماضي، إقرار مجلس النواب بشرق ليبيا، ميزانية بقيمة 69 مليار دينار لـ«صندوق التنمية وإعادة الإعمار» الذي يترأسه بلقاسم، نجل قائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر.

تيتيه في طريقها إلى لقاء سابق برئيس مجلس النواب الليبي (البعثة)

ووجّه حمّاد مديري إدارة المراسم والمنظمات الدولية والمجتمع المدني بوزارة الخارجية، إلى ضرورة تفعيل عدة «تدابير تنظيمية» تتعلق بحركة دخول وإقامة أعضاء البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية في ليبيا وتجولهم بالمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وتهيمن حكومة حماد على جميع مناطق شرق ليبيا، وبعض مناطق بالجنوب بإسناد من «الجيش الوطني» بقيادة المشير حفتر.

وتضمنت التدابير التقيد بالإجراءات القانونية المتعلقة بمنح تأشيرات الدخول لأعضاء البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، «وفق ما تحدده وزارة الخارجية وبالتنسيق مع وزارة الداخلية وجهاز المخابرات الليبية، بما يتماشى مع مبدأ المعاملة بالمثل».

وشددت الحكومة على ضرورة «التنسيق المسبق مع وزارة الخارجية بشأن تحركات وتنقل البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية داخل وخارج المدن، وأخذ الإذن المسبق بناء على كتاب رسمي يوجه لوزارة الخارجية، «مع ضرورة إخطار وزارة الداخلية وجهاز المخابرات لضمان الترتيبات الأمنية الملائمة».

كما حددت حكومة حماد نطاق الحركة المسموح به للدبلوماسيين والممثلين الدوليين «بما لا يتعارض مع السيادة الوطنية، مع إمكانية فرض قيود مؤقتة خاصة لأسباب أمنية أو عسكرية، وفقاً لما تقرره السلطات المختصة».

وتحدثت الحكومة عن «إعادة تفعيل وتحديث قاعدة البيانات المشتركة بين وزارتي الخارجية والداخلية وجهاز المخابرات الليبية، بشأن تحركات وإقامة أعضاء البعثات والمنظمات الدولية وربطها بأنظمة الرقابة على المنافذ».

اتهامات بـ«نشر الإلحاد والمثلية»

الأمر ذاته تنتهجه سلطات طرابلس بغرب ليبيا، إذ سبق وطالب وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عماد الطرابلسي، في خطاب ممهور بختمه وتوقيعه بـ«طرد» منظمات دولية عاملة في ليبيا، من بينها «اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، ومنظمتا «هيومن رايتس ووتش» و«العفو الدولية»، وسط تساؤلات حقوقيين حينها عن أسباب التصعيد في مواجهة هذه المؤسسات.

رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة ووزير داخليته عماد الطرابلسي (حكومة «الوحدة»)

واتهم الطرابلسي، في خطابه المسرب آنذاك، منظمات دولية «بنشر الإلحاد والمثلية، وغيرهما من الأفعال الضاربة بالمصالح العليا لليبيا»، وعدَّها «مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة».