د مصطفى غَلــــمان: في فهم الإعلام الثقافي وأنساقه..

د مصطفى غَلــــمان: في فهم الإعلام الثقافي وأنساقه..

د مصطفى غَلــــمان: في فهم الإعلام الثقافي وأنساقه..

 
 
د مصطفى غَلــــمان
يُطرح مفهوم الإعلام والثقافة الآن، في سياقه السوسيولوجي العام، ضمن بنى قيم نشر المعرفة والتحفيز على الإبداع وتمكين الشباب وتعزيز نشر اللغة العربية وقيم الحوار والانفتاح على الشراكات الفكرية والثقافية ذات الصلة. إذ في قلب العولمة، يتحلحل سؤال الهوية قبل الأحواز الجغرافية وحدودها المصطنعة، بما يعزز فاعلية تموضع وسائل الإعلام في المشهد السياسي والثقافي الجديد، حيث تحولت الوضعيات المهيمنة والمتسارعة إلى نشوء طفرات معلوماتية أكثر تطورا، حيث يصعب التمييز بين عمليات إنتاج المعلومات من جانب، وعمليات تلقيها من جانب آخر.
وأسهمت نظرية تحول الجمهور المتلقي إلى مشاركين فاعلين في المعالجة الإعلامية على خلق مجتمع ذاتي التثقيف، غير منكمش على محيطه، ومتساوق والإبدالات الجديدة للعالم ومتغيراته. ولهذا أضحى سؤال التوظيف الثقافي والفني في وسائل الإعلام الجديدة، واستقلالها الذاتي والفكري والسياسي، ورؤيتها الحيادية للقضايا الوطنية والقومية المصيرية، مركزا أساسا لوجوده وصيرورته في الفعل الإعلامي والثقافي، إن على المستوى المهني والأخلاقي، أو إعادة تشكيل وظيفته كلاعب استراتيجي في بناء التنمية والإنسان.
 ولعل فهم الديناميكيات السياسية المتغيرة، التي يحفل بها المشهد الإعلامي، إلى جانب القوى الاجتماعية والسياسية الفاعلة على الساحة، سيعيد صياغة ما نصفه ب “خصوصية الهوية التحريرية” في الإعلام الثقافي، الذي هو محرك الحضارة والاقتدار على تحقيق جزء من التوعية المجتمعية وتمكين المواطنين من فهم حقيقة العالم وإشكالاته. كما لا يمكن تجنب اكتمال هذه الرؤية، بتحديد هوامش “التنظيم الذاتي” للشكل الإعلامي المتوخى، كالالتزامات المحايثة لكل ما هو تثقيفي فني وفكري شامل، والحرص على تنويع الاختيارات المعروضة، وبرمجة النظم الثقافية والفكرية والفنية، بخصوصياتها الانتقائية وتوليفاتها التشويقية المبهرة، التي تعمد إلى تقديم معلومات تعبوية فارقة مخلصة للخاصية المحلية والوطنية، وتوظيفها بصورة متزايدة، كمنبر للتعبير عن الرأي. وكلها أطوار إحفازية تحاول المحافظة أو على الأقل صيانة البدائل الحضارية الأكثر استيعابا للوجود والكينونة الخالصة، ودون تنميط لوسائل حديثة منقلبة على وضعياتنا كشعوب تراثية، كما هو الحال بالنسبة لمجموعة الذكاءات الآلية والحاسوبية والتوليدية مثلا، والتي تنساق إلى تصنيع وتقديم نماذج متطورة تنتج نصوصا وصورا وموسيقى وحتى رموز برمجية جديدة.
إن الباراديغمات الإعلامية الراهنة، باعتبارها مساحات ثاوية للتغيير الاجتماعي وتفسير الحياة العامة، غير بعيد عن كونها مصدرا للمعلومات، تؤسس أنساقا جديدة في فهم “عدم تغريب أو تشريق” الدراسات الإعلامية وأوعيتها التي تراوح عمليات التقييم الدقيق للوظائف الحديثة لذاك الإعلام، ودراسة كيفية قابليات المواطنين تجاهه، داخل إطار القيود الاجتماعية والسياسية الأكثر شمولية. مع ما يحمل هذا المفهوم، من أشكال وأنماط تحرض على فرضية تشبث كل إعلام قطري ومؤسسي بخصوصيته وفاعليته ووظيفته الاجتماعية والثقافية والسياسية والأيديولوجية، في ظل الانتشار المهول والخطير الذي تعرفه الأشكال الجديدة لسلط الإعلام ووسائله، ما يستدعي تغيير استراتيجية التواصل في بنى وأنساق  الفواعل الاجتماعية واستتباعاتها لمواكبة المشهد الإعلامي العربي المتحول.

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: