كيف اخترقت كتائب القسام المخابرات العسكرية وحطمت هيبة الجيش الإسرائيلي في كمين بيت حانون وانتصرت لشهداء “البيجرات”؟ هل نحن امام “طوفان اقصى” مصغر؟ وهل ستكون عسقلان وأسدود الهدف القادم؟ وما الجديد المشرف؟

كيف اخترقت كتائب القسام المخابرات العسكرية وحطمت هيبة الجيش الإسرائيلي في كمين بيت حانون وانتصرت لشهداء “البيجرات”؟ هل نحن امام “طوفان اقصى” مصغر؟ وهل ستكون عسقلان وأسدود الهدف القادم؟ وما الجديد المشرف؟

كيف اخترقت كتائب القسام المخابرات العسكرية وحطمت هيبة الجيش الإسرائيلي في كمين بيت حانون وانتصرت لشهداء “البيجرات”؟ هل نحن امام “طوفان اقصى” مصغر؟ وهل ستكون عسقلان وأسدود الهدف القادم؟ وما الجديد المشرف؟

عبد الباري عطوان

تتباهى دولة الاحتلال الإسرائيلي بإنجازاتها الاستخبارية التي تحققها بين الحين والآخر ضد دول عربية وإسلامية، مثل لبنان وايران، عندما تقوم أجهزتها بتنفيذ عمليات اغتيال تستهدف قيادات في الصف الأول العسكري، او علماء ذرة مثلما هو الحال في طهران في إطار سياسة “الصدمة والترويع”، ومن المؤسف ان بعض المطبعين العرب تبهرهم هذه العمليات التي يوظفونها لإبراز التفوق الإسرائيلي وتثبيط همم الدول والفصائل والشعوب المعارضة للتطبيع، والمنخرطة في محور المقاومة، وتؤمن ان القوة هي الطريق الأقصر والأكثر فاعلية لمواجهة هذه الغطرسة العدوانية الإسرائيلية المدعومة أمريكيا.
في وقت متأخر من مساء امس الاثنين حققت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة انتصارا “مثلثا”: استخباريا وعسكريا وسياسيا، على قوات الاحتلال الإسرائيلي، عندما نصبت كمينا محكما في مدينة بيت حانون في شمال القطاع، ونفذته على ثلاث مراحل، أدى الى مقتل 5 جنود اسرائيليين وإصابة 14 آخرين، واختفاء ثلاثة ما زال مصيرهم مجهولا، وقد يكونوا أسرى لدى كتائب القسام، وهناك تقارير تقول ان عدد القتلى والمصابين اكبر بكتير.

***

انه “طوفان اقصى” مصغر قد يكون مقدمة، او تدريب، على “طوفانات” أخرى تنطلق في الأيام او الأشهر القليلة القادمة، تحط الرحال في أسدود، وعسقلان في غلاف القطاع، طوفان أحدث صدمة ساحقة في أوساط العدو الإسرائيلي، ويمكن تلخيص إنجازاته الضخمة العسكرية والسياسية والمعنوية في أوساط العدو وفي هذا التوقيت الحرج في النقاط التالية:

أولا: انه اختراق استخباري كبير جدا، وهزيمة أضخم لكل الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، والعسكرية منها على وجه الخصوص، يكشف عن مهارات غير مسبوقة في الرصد والتنفيذ لم يسبق له مثيل الا في الطوفان الكبير في السابع من تشرين اول (أكتوبر) عام 2023.

ثانيا: جاء هذا الكمين المحكم الاعداد بعد تحقيق ما تصفه دولة الاحتلال بإنتصارات استخبارية وعسكرية كبيرة حققتها في لبنان، وسورية، وايران، (حسب ادعاءاتها)، الامر الذي أحدث صدمة وإنكسار، وتبخُر جزئي اولي لهذه الانتصارات.

ثالثا: تؤشر هذه العملية المثلثة التنفيذ، المتقنة الاعداد الى “صعود نوعي” لعمليات المقاومة في قطاع غزة، المحاصر والمجوّع في أكثر حروب الإبادة دمويا في التاريخ الحديث، الأمر الذي يؤكد ان كتائب القسام ما زالت قوية وتصنع الألغام والصواريخ، والذخائر ذاتيا في مصانع تحت الأرض فشلت جميع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في الوصول اليها.

رابعا: هذه العملية دمرت هيبة الجيش والاستخبارات الإسرائيلية وعززت معنويات كتائب المقاومة بعد صمود إعجازي استمر أكثر من 650 يوما منذ بدء حرب الإبادة، وقد تؤدي الى الإطاحة بنتنياهو وحكومته.

خامسا: من يقود العمل العسكري للمقاومة، مجموعة من الشباب الذين باتوا يجلسون امام مقعد قيادة المقاومة الميدانية في جميع انحاء القطاع من بيت حانون وجباليا شمالا وحتى رفح وخان يونس جنوبا، وما بينهما مثل دير البلح ومخيمات النصيرات والبريج والمغازي.

سادسا: هذه العملية ستعزز موقف محور المقاومة التفاوضي، وربما تؤدي الى الانسحاب الكلي من مهزلة المفاوضات في الدوحة برعاية أمريكية متواطئة، ورفضها لمسودة الاتفاق الامريكية التي أعدها الصهيوني ويتكوف والتي قبلها نتنياهو، هذا الرفض هو دليل قوة، ووجود استراتيجية مقاومة ميدانية جديدة، فمن من العرب يستطيع ان يقول “لا” للرئيس ترامب هذه الأيام، ويرفض مبادرته وفق سياسة “نعم.. ولكن” الذكية؟

سابعا: نتنياهو وعصابته، تلقوا صفعة قوية من كتائب القسام، فقد ذهبوا الى القطاع للإفراج عن 20 اسيرا، فخسروا اكثر من 450 من جنودهم وضباطهم في الستمائة يوم الأخيرة (حسب ارقام الجيش)، و20 جنديا في شهر حزيران (يونيو) فقط، فأي انتصار هذا الذي يتحدثون عنه.

ثامنا: اذا صحت التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن اختفاء ثلاثة جنود في كمين بيت حانون، فهذا يعني ان كتائب القسام تجاوزت مرحلة الدفاع عن النفس والصمود، الى مرحلة الهجوم وأخذ الاسرى العسكريين، وهذا تطور استراتيجي مهم جدا في هذه الحرب، ينسف كل أكاذيب نتنياهو وحكومته.

تاسعا: المستوطنون في عسقلان وأسدود في مدن غلاف قطاع غزة، سمعوا صوت الانفجارات الضخمة لعبوات كمين بيت حانون حيث المعبر الرئيسي للقطاع، ولم يعرفوا النوم في الملاجئ التي لجأوا اليها من شدة الرعب، لأنهم قد يكونوا الهدف التالي ايضا.

عاشرا: يأتي هذا الإنجاز العسكري والاستخباري الكبير في تزامن مع تسخين الجبهة اليمنية، وتواصل إطلاق صواريخ فرط صوت والمسيّرات الى المطارات والموانئ ومحطات الكهرباء الإسرائيلية، وتصعيد مهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر، مضافا الى ذلك موقف حزب الله الرافض بقوة لمؤامرة نزع السلاح والصواريخ خاصة، وتعزيز هذا الرفض بإستعراض عسكري مسلح في قلب العاصمة بيروت، وتوارد أنباء حول انتقاله من الدفاع الى الهجوم ربما في الأيام القليلة القادمة، بعد تعافيه وإعادة ترتيب بيته العسكري.

حادي عشر: أفسد هذا الهجوم “عرس” نتنياهو وترامب في واشنطن، وأكد ان هناك مقاومة تقرر على الأرض، وتفسد كل المخططات العدوانية.

***

انها غزة القسام وسرايا القدس، والمجاهدون والحاضنة الشعبية.. غزة المقاومة والشهادة والشهداء.. غزة النفس الطويل، والإيمان الراسخ بالنصر والتحرير الكامل للأرض العربية والإسلامية المحتلة.. المقاومة تتسع وتزداد قوة وتعتمد على سلاحها الذاتي التصنيع، وتملك ما هو أهم، أي العقول الجبارة في التصنيع، والرصد، والتخطيط، والتنفيذ.
كمين بيت حانون هو الحلقة الأولى من استراتيجية جديدة تتصاعد من قلب الأنقاض، وأكفان الأطفال الشهداء، وخيام النازحين، وهذه استراتيجية لا يمكن الا ان تنتصر.. زمن تفجيرات “البيجرات” في لبنان، واغتيال قادة المقاومة في بيروت وغزة، وعلماء الذرة في طهران، ومطار بغداد، وميناء الحديدة اليمني، هذا الزمن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليحل محله زمن جديد مختلف ومشرف، وبات المستوطنون الإسرائيليون يبحثون عن وطن بديل في قبرص بعد ان فقدوا الأمن وباتوا يشعرون ان النهاية إقتربت.. والأيام بيننا.

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: