
في لقاء وداعي مع قرب انتهاء مهامها الدبلوماسية بالكويت، التقت «الجريدة» وبعض وسائل الإعلام المحلية السفيرة الأميركية لدى البلاد كارين ساساهارا، في منزلها داخل سفارة بلادها، حيث أشادت بعمق الشراكة الأميركية – الكويتية، معتبرة أن الوجود العسكري الأميركي في البلاد يؤكد مستوى الثقة والشراكة الاستراتيجية بين البلدين ويعزز الأمن والاستقرار. وعبّرت ساساهارا عن امتنانها لتجربتها في الكويت، مثنية على حيوية المجتمع الدبلوماسي وتنوّعه، وعلى كرم الشعب الكويتي وانفتاحه. وتحدثت السفيرة ساساهارا كذلك عن مستقبل العلاقة بين واشنطن والكويت، وعن رؤيتها لمستقبل المنطقة، وحرية التعبير، ودور الحوار في خفض التوترات. كما وجهت رسائل إلى الشباب الكويتيين، والنساء الطموحات في العمل الدبلوماسي.
أكدت السفيرة الأميركية لدى الكويت، كارين ساساهارا، متانة العلاقات الأميركية – الكويتية، قائلة: «الكويت شريك استراتيجي قديم للولايات المتحدة»، مشيرة إلى أن «الوجود العسكري الأميركي في الكويت ليس تفصيلاً عادياً، بل هو قرار استراتيجي يعكس مستوى الثقة والشراكة بين البلدين».
كلام ساساهارا جاء خلال لقائها الختامي مع ممثلي الصحافة المحلية، في منزلها الكائن داخل السفارة الأميركية.
وتحدثت ساساهارا عن العلاقات الكويتية – الأميركية، مؤكدة أن هذه العلاقة تعود إلى ما قبل حرب التحرير عام 1991، «إذ يعتقد البعض أن العلاقة بدأت بعد الغزو العراقي والتحرير، لكنها في الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. هناك أجيال من الكويتيين درسوا في الولايات المتحدة، وهناك شراكات طويلة الأمد في مجالات الأمن والتعليم والتكنولوجيا والتجارة».
وأكدت السفيرة الأميركية أن تجربتها في الكويت شكّلت محطة دبلوماسية متميزة، على الصعيدين المهني والشخصي، واصفة المجتمع الدبلوماسي في البلاد بأنه «من بين الأكثر تماسكاً وحيوية» في المنطقة.
وقالت: «تمتاز الكويت بمجتمع دبلوماسي حيوي ومترابط بصورة استثنائية، رغم صغر مساحة الدولة، والتفاعل اليومي مع زملائي من البعثات المختلفة، وتبادل المعلومات والخبرات، شكّل تجربة مثرية، ومن اللافت أن تستضيف الكويت أكثر من 120 بعثة دبلوماسية ومنظمة متعددة الأطراف، وهو عدد يفوق ما كنت أتوقعه لدولة بهذا الحجم».
ساساهارا: نؤمن بالتوازن… والدول الخليجية باتت تركز على الاقتصاد لا النزاعات
وعن أبرز ما ستفتقده بعد مغادرتها، أجابت ساساهارا: «بصراحة، الناس. فالكويتيون يتمتعون بكرم ضيافة وصدق نادرين. فخلال العامين الماضيين، انخرطت في المجتمع، زرت مدارس، وحضرت مهرجانات، وتعرّفت على ثقافات متعددة داخل الكويت، من المواطنين إلى الجاليات المقيمة، كما في زيارتي لمهرجان تعليمي في مدرسة هندية ضمّت أكثر من 6000 طالب، وكانت تجربة رائعة تعكس تنوّع المجتمع الكويتي». وتابعت: «الذهاب إلى معارض فنية ورؤية ما يرسمه الناس، يعكس الكثير عن أفكارهم وشعورهم تجاه وطنهم، سواء كانوا محترفين أو هواة، هذا شكل من أشكال التعبير العميق».
وأضافت: «حتى المشاركات في الديوانيات كانت بالنسبة لي تجربة استثنائية، فهي ليست فقط مساحة اجتماعية، بل منصة سياسية وثقافية حقيقية، تعكس عمق المجتمع الكويتي وانفتاحه على النقاش والحوار».
وبخصوص تجربتها كامرأة في المجال الدبلوماسي، قالت: «لا أريد أن يُشار إليّ كدبلوماسية ناجحة فقط لأني امرأة، بل فقط كدبلوماسية ناجحة. النساء لم يعدن استثناءً في السلك الدبلوماسي، بل جزء أساسي منه. ما يهم هو الكفاءة، لا النوع».
وأضافت: «رسالتي لكل امرأة طموحة في هذا المجال: كوني نفسك، واعملي بجد، وثقي بأن المهنية والكفاءة ستتحدثان عنك، لا جنسك».
وعبّرت السفيرة عن امتنانها لفترة عملها في الكويت، قائلة: «سأغادر قريباً، لكنني أحمل معي تقديراً عميقاً لهذه التجربة. آمل أن أعود في المستقبل كسائحة، لأزور الأماكن التي لم يسعفني الوقت لرؤيتها، وأعيد التواصل مع أصدقاء كويتيين عرفتهم هنا».
ورداً على سؤال حول التطورات الإقليمية قالت: «نحن لا نخفي دعمنا لإسرائيل، لكن في الوقت نفسه نؤمن بأهمية تحقيق التوازن بين المصالح والمبادئ. فأي صراع في المنطقة يهدد الأمن والاستقرار ويؤثر سلباً على التجارة وحقوق الإنسان، ولهذا ندعم الحوار والتعاون بدلاً من التصعيد»، موضحة أن «الدول الخليجية اليوم تركز على النمو الاقتصادي والتبادل التجاري، لا على النزاعات. وهذا ما نؤمن به أيضاً: الشراكة من أجل الازدهار، لا المواجهة».
وشددت السفيرة على أهمية تجنّب التصعيد العسكري. وقالت: «لا أحد يرغب في تصعيد التوترات، وهو ما شدد عليه الرئيس دونالد ترامب في تصريحاته الأخيرة»، لافتة إلى أن «الوضع لا يحتمل المزيد من المفاجآت، فالجميع بحاجة إلى الأمن القومي»، معتبرة أن «التهدئة تصب في مصلحة جميع الأطراف، وقد شعر كثيرون بالارتياح عقب انخفاض حدة التوترات الأخيرة».
كما شددت على أهمية تعزيز الحوار في المنطقة، مشيرة إلى أن «المنظمات كجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي يمكن أن تؤدي دوراً محورياً في إجراء هذا الحوار»، مستشهدة برفع الولايات المتحدة العقوبات عن سورية لتوفير الغذاء والدواء وزيارة الرئيس اللبناني الجديد للكويت، واعتبرتهما «مؤشرين إيجابيين»، ومشددة على أهمية دعم الاستقرار في المنطقة عبر هذه الأطر.
وحول موقف بلادها من التوترات الأخيرة بين إيران ودول مجلس التعاون، قالت: «لا نريد لهذا التوتر أن يتصاعد، وهناك تنسيق مستمر مع الكويت، والهجمات الأخيرة كانت مقلقة، لكنّ ردة الفعل الخليجية كانت موحدة وسريعة، وهذا مشجّع، ولا أحد يريد الانجرار نحو صراع، فالتهدئة مهمة للجميع».
وعن تقييمها لجهود الرئيس ترامب فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في غزة وفرص نجاحه، أجابت ساساهارا: «الرئيس مركز جداً على هذا الملف، وقد تحدث عنه في 23 يونيو، ويتابعه بنفسه. الهدف هو وقف النار، وهذا ما دعا إليه ترامب ونحن نؤمن أن التوصل إليه هو الطريق الصحيح. ليس الهدف فقط المكاسب الاقتصادية، بل أيضاً الوفاء بالتعهدات الإنسانية. هناك مبعوث خاص، ستيف ويتكوف، يتنقل باستمرار ويتابع الملف».
نرحب بالطلبة الكويتيين… والأولوية لأمننا القومي
رداً على سؤال عن تأثّر بعض الطلبة بحريّة التعبير على وسائل التواصل ورفض تأشيراتهم بسبب آرائهم بشأن الحرب على غزة، قالت السفيرة الأميركية: «أفهم تماماً مشاعر القلق. لكن منح التأشيرات يخضع لمعايير تضعها الإدارة الأميركية، وهي صاحبة القرار في هذا الشأن. التعبير عن الرأي لا يُعد جريمة، لكن الإجراءات تُبنى وفق سياسات الهجرة الوطنية».
وأضافت: «علينا أن نوازن بين فتح أبواب السفر المشروع وبين أولويات الأمن القومي. ونريد أن يأتي الطلبة للدراسة ونرحب بهم، لكن لا نريد أشخاصاً لا يضمرون خيراً لبلادنا. عندما تملأ استمارة التأشيرة وتقول إنك ذاهب للدراسة، فهذا ما ينبغي أن يكون شغلك الشاغل أثناء وجودك بأميركا، وعلى هذا فنحن ملتزمون باستقبال الطلاب وسنواصل ذلك، مع الاستمرار في تكييف معايير منح التأشيرات وفقاً للظروف المتغيّرة».
وأردفت: «لقد استأنفنا إجراء مقابلات إصدار تأشيرات F وM وJ الأسبوع الماضي، ونحن الآن نعمل بشكل طبيعي. صحيح أن هناك بعض المتطلبات الإضافية في الإجراءات، لكننا كنا واضحين بشأنها منذ البداية، ونرحب بالطلبة الراغبين في الدراسة».
الإعلام الكويتي نشط ومتنوع وشفّاف
أعربت ساساهارا عن إعجابها بالتنوع الإعلامي في البلاد، مضيفة – ردّاً على سؤال حول واقع الصحافة وحرية الإعلام في الكويت – أن «الإعلام الكويتي نشط ومتنوع وشفّاف، ومن اللافت أن يكون لدى دولة صغيرة هذا العدد الكبير من الصحف، لكن ذلك يعكس تنوعاً غنياً بالآراء، وهذا ما يميّز الساحة الكويتية». وأضافت: «من واقع تجربتي الشخصية، الصحف هنا لا تُخفي شيئاً. من يقرأها بتمعّن يمكنه أن يعرف ما يجري فعلاً».
وبسؤالها عمّا إذا كانت تقرأ الصحف باللغة العربية، ردّت ساساهارا مازحة: «قراءة صحيفة كاملة بالعربية قد تأخذ منّي سنة! لكنني أتابع العناوين الرئيسية وأفهم منها الكثير».