
رئيس الحكومة المغربية يعلن انطلاق إصلاح شامل لمنظومة الصحة وسط “ثورة هادئة” وتحولات كبيرة في البنية التحتية.. وتوتر في صفوف المعارضة بعد توقف التنسيق حول ملتمس الرقابة
الرباط ـ “رأي اليوم” ـ نبيل بكاني:
قال رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، خلال جلسة مساءلة شهرية بمجلس النواب، إن بلاده شرعت فعليًا في تنفيذ إصلاح شامل لمنظومة الصحة العمومية، واصفًا ما يجري بأنه “ثورة هادئة” داخل قطاع لطالما عانى من اختلالات هيكلية. وأوضح المسؤول الحكومي أن عدداً من المؤسسات الجديدة تم إطلاقها في هذا السياق، منها الوكالة الوطنية للدم ومشتقاته، والوكالة الوطنية للدواء، والوكالة المغربية للصحة، إضافة إلى الهيئة العليا للصحة التي يُرتقب تفعيلها قريبًا.
وأكد أخنوش أن حكومته وضعت خمسة قوانين أساسية لإعادة هيكلة المنظومة الصحية، وقال إن هذه النصوص ستشكل خريطة طريق واضحة خلال السنوات المقبلة، من شأنها أن تحدث تحولاً عميقاً في خدمات الرعاية الصحية. وردًا على الانتقادات التي طالت أداء الحكومة في هذا المجال، أشار إلى أنه تم اعتماد نظام جديد للوظيفة الصحية يرفع الأجور القارة ويضيف مكافآت حسب الأداء المهني، بهدف تقليص هجرة الأطباء نحو الخارج. ومن المنتظر بدء تنفيذ هذا النظام في جهة الشمال خلال شهر سبتمبر، على أن يُعمم لاحقًا على باقي المناطق.
وتحدث رئيس الحكومة عن أزمة الموارد البشرية، موضحًا أن عدد العاملين في القطاع الصحي لكل ألف نسمة ارتفع من 1.7 إلى 2.5 منذ بداية الولاية الحكومية، وذلك بفضل مضاعفة أعداد الطلبة في كليات الطب. وأعطى مثالاً بمدينة كلميم التي أصبحت تتوفر على كلية للطب ستبدأ في تخريج دفعات سنوية من الأطباء ابتداء من عام 2029.
وفي ما يتعلق بالتحول الرقمي، قال أخنوش إن المغرب بدأ في تنفيذ مشروع لرقمنة القطاع الصحي، بدءًا من جهة الشمال، حيث سيتم ربط جميع المستشفيات المحلية والإقليمية والجامعية رقميًا، مما سيسمح بتنسيق أفضل بين مختلف مستويات الرعاية. وأوضح أن الطبيب في المركز الصحي المحلي سيكون قادرًا على حجز مواعيد مباشرة للمرضى في المستشفيات المتخصصة، مشيرًا إلى أن هذه التجربة سيتم تعميمها على باقي الجهات بشكل تدريجي.
وفي ما يخص البنية التحتية، ذكر رئيس الحكومة أن أغلب المناطق أصبحت تتوفر على مستشفيات جامعية، بما فيها الداخلة التي يجري الإعداد لبناء مستشفى جامعي فيها. وأشار إلى مشاريع لتأهيل المستشفيات الجهوية، وافتتاح مؤسسات صحية جديدة في عدد من المدن، إضافة إلى إعادة تأهيل أكثر من 980 مركزًا صحيًا للقرب من أصل 1400 مركز مبرمج، مؤكداً أن هذه المراكز تتوفر على طاقم طبي أساسي يضم طبيبًا وممرضَين على الأقل.
كما أعلن التخلي عن فكرة “البطاقة الصحية الرقمية” التي كان يُعتزم إطلاقها سابقاً، موضحًا أن الرقم الوطني للتعريف الشخصي ورقم الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي كافيان اليوم لتتبع الملف الصحي للمريض، في إطار خطة الرقمنة الشاملة.
ورداً على تساؤلات النواب بشأن دور القطاع الخاص، أكد رئيس الحكومة أن الاستثمار في الصحة مكفول قانوناً، مرحبًا بالمستثمرين الراغبين في المساهمة بشفافية في تحسين الخدمات الصحية، ومشيراً إلى أن الحكومة شددت الرقابة على التهرب الضريبي، ما أسهم في رفع موارد الدولة. وبيّن أنه تم تخصيص 50 مليار درهم (حوالي 5 مليارات دولار) للاستثمار في البنية التحتية الصحية، في إطار سياسة ترابية ترتكز على إطلاق مجموعات صحية جهوية.
وفي ما يخص نظام التأمين الصحي الإجباري الموجه للأسر محدودة الدخل، أوضح أن من يستوفي الشروط يستفيد فعلياً من النظام، بينما يمكن للآخرين الاستفادة من التغطية الصحية عبر برامج أخرى قائمة، أو من خلال الانخراط في التأمين الشامل.
وختم رئيس الحكومة حديثه بالتشديد على أهمية الموضوع الصحي بالنسبة للمواطنين، قائلاً إن ورش إصلاح القطاع يستحق المتابعة الدورية والنقاش البرلماني، واعداً بتقديم حصيلة مفصلة السنة المقبلة في حال استمرار التقدم الحالي.
في ذات السياق السياسي، تشهد مكونات المعارضة اليسارية بالمغرب، وعلى وجه الخصوص حزبا التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، توتراً متزايداً بسبب توقف التنسيق حول ملتمس الرقابة، ما أدى إلى تعميق الانقسامات بينهما. اتهم الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي حزب التقدم والاشتراكية بالتخفي وراء دور “الحكم” لتجنب نسب المبادرة إليه، فيما رد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، مطالباً إدريس لشكر بـ”توقير الحزب”.
نفى رشيد حموني، عضو المكتب السياسي لحزب “الكتاب” ورئيس فريقه في مجلس النواب، ما أُشيع عن تقديم مقترح لتنسيق دخول المعارضة للحكومة المقبلة أو البقاء في المعارضة، مشيراً إلى أن التنسيق بين الحزبين توقف بعد ملتمس الرقابة الأول رغم إعداد تصور سياسي مشترك. وأكد انفتاح حزبه على قوى اليسار ودعمه لترشيح موحد.
بدوره، قال إدريس لشكر إن بعض الأطراف تحاول شيطنة مسألة ملتمس الرقابة، بهدف عدم نسب المبادرة إلى الاتحاد الاشتراكي، بينما وصف بنعبد الله الموقف بأنه يضر بوحدة المعارضة ويدعو إلى التوقير.
يرى المحلل السياسي رضوان اعميمي أن الانقسامات بين أحزاب المعارضة ليست جديدة، بل بدأت مع ضعف تمثيلها في انتخابات 2021، ومن المتوقع أن تتفاقم مع اقتراب الانتخابات المقبلة عام 2026، حيث يسعى كل طرف لتعزيز موقعه السياسي. وأكد أن هذه الخلافات تضعف المعارضة وتزيد من قوة الأغلبية، التي رغم بعض التباينات، ما تزال متماسكة.
وتشير الباحثة مريم أبليل إلى أن المعارضة تعاني من ضعف عدد مقاعدها، ما يجعل تنسيقها أمراً حيوياً، وأن انهيار هذا التنسيق يعزز الأغلبية. وترى أن إغلاق ملف ملتمس الرقابة يمثل نهاية الأمل في توحيد المعارضة، حيث تحجم الأطراف عن العمل المشترك خوفاً من تحميل جهة معينة المسؤولية، ما يزيد من حدة التنافس بينها.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: