توقعات انخفاض الدولار يعيد تشكيل خريطة المدخرات

توقعات انخفاض الدولار يعيد تشكيل خريطة المدخرات

مع تزايد التوقعات بتراجع سعر صرف الدولار أمام الجنيه، بدأ المستثمرون والمدخرون فى إعادة تقييم خريطة الأدوات الادخارية والاستثمارية المتاحة فى السوق المحلي، وسط تساؤلات حول مدى قدرة الجنيه على استعادة بريقه مجددًا.

ويترقب السوق مسار سعر الصرف والفائدة معًا، باعتبارهما المحركين الأساسيين لقرارات إعادة التوزيع بين الأوعية الادخارية التقليدية والأدوات الاستثمارية البديلة، وسط تغيرات دولية تعيد رسم أولويات المستثمرين محليًا وعالميًا.

ويرى متعاملون أن اتجاه المدخرين خلال الفترة المقبلة سيتوقف على العلاقة المتغيرة بين سعر صرف الدولار وأسعار الفائدة المحلية، حيث إن تراجع الدولار دون تحرك مماثل للفائدة قد يدفع شريحة كبيرة من المدخرين للعودة إلى شهادات الادخار وأذون الخزانة، نظرًا لما توفره من عوائد ثابتة ومحفوظة من تقلبات العملة.

أما فى حال ترافق انخفاض الدولار مع خفض أسعار الفائدة، فقد يتجه المستثمرون نحو أدوات استثمارية بديلة مثل الأسهم، وصناديق الذهب، وربما العقارات، خاصةً مع التراجع المتوقع فى العائد الحقيقي على أدوات الدين.

ويظل مستوى المخاطرة عاملاً مؤثرًا فى خيارات المدخرين، فالفئات الباحثة عن الاستقرار تفضل الاستمرار في الأدوات الادخارية التقليدية، بينما تتجه الفئات الأكثر جرأة نحو أدوات تحمل مخاطرة أعلى وعائدًا محتملاً أكبر، مثل الأسهم والذهب.

قال محمود نجلة، المدير التنفيذى لأسواق النقد والدخل الثابت بشركة «الأهلى لإدارة الاستثمارات المالية»، إن تراجع الدولار يشجع المستثمرين على إعادة هيكلة محافظهم، ما يدعم الإقبال على الأدوات المقومة بالجنيه.

وأشار إلى أن هذا التوجه طبيعى فى ظل الأداء النسبي للأصول المختلفة، موضحًا أن الذهب والعقار لا يزالان ضمن البدائل، لكن العائد المرتفع الذى تتيحه أدوات الدين المحلية منح الجنيه مزيدًا من الجاذبية.

وسجّل الدولار الأمريكى أسوأ أداء له منذ سبعينيات القرن الماضى خلال النصف الأول من عام 2025، حيث تراجع مؤشره أمام سلة من العملات الرئيسية بنسبة تتراوح بين 11% و13%، مدفوعًا بتقلص الفجوة فى أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة واقتصادات أخرى، إلى جانب تعافى العملات المنافسة، وزيادة تدفقات رؤوس الأموال نحو الأسواق الناشئة.

من جانبه، قال عمرو الألفي، رئيس استراتيجيات الأسهم بشركة «ثاندر» لتداول الأوراق المالية، إن تراجع الدولار وحده لا يكفى لدفع المدخرين للتحول نحو الأدوات بالجنيه، ما لم يتزامن ذلك مع عنصر دعم إضافي مثل استقرار أسعار الفائدة.

وأضاف: «التحول من الدولار إلى الجنيه لا يجب أن يكون قرارًا انفعاليًا، بل يجب أن يستند إلى معطيات واقعية»، مشيرًا إلى أن الاتجاه العام للفائدة في مصر لا يزال يميل إلى الانخفاض، ما قد يقلص جاذبية الأوعية الادخارية التقليدية.

وتراجع سعر صرف الدولار الرسمي منذ بداية عام 2025 من نحو 51.6 جنيه إلى مستوى يتراوح حاليًا بين 49.3 و49.6 جنيه، أي بانخفاض يقارب 5%.

ويرى أحمد عبدالنبي، رئيس قسم البحوث بشركة «مباشر» لتداول الأوراق المالية، أن التوقعات بخفض أسعار الفائدة ستؤثر سلبًا على الأدوات الادخارية التقليدية، لكنها ستمنح الأسهم مزيدًا من الجاذبية، لاسيما تلك التي تعتمد على الإنتاج المحلى أو تحقق إيراداتها بالجنيه.

وأوضح أن تراجع الدولار قد يُشكل ضغطًا على الشركات ذات الاعتماد المرتفع على التصدير، بينما تستفيد الشركات المستوردة لمكونات الإنتاج من تراجع فاتورة الواردات.

وأضاف أن سوق العقارات، رغم كونه أحد البدائل الاستثمارية المعروفة، يعانى حاليًا من تخمة في المعروض وصعوبة في التسييل، ما يجعله أقل جاذبية كوعاء ادخارى. ورأى أن صناديق الاستثمار فى الذهب أصبحت بديلًا آمنًا وجاذبًا، خاصة مع سهولة الدخول إليها مقارنة بشراء الذهب الفعلي.

رجّحت وحدة بحوث «الأهلى فاروس» تحسُّن الجنيه أمام الدولار إلى مستويات تتراوح بين 47 و48 جنيهًا بنهاية 2025، مدعومًا بتراجع الدولار عالميًا أمام العملات الرئيسية، وعلى رأسها اليورو.

وأشار تقرير حديث لبنك «مورغان ستانلي» إلى احتمال انخفاض مؤشر الدولار بنسبة 9% ليصل إلى 91 نقطة منتصف عام 2026، وهو أدنى مستوى منذ جائحة «كوفيد-19»، مع ارتفاع اليورو إلى 1.25 دولار، وتراجع عائدات السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى 4% بنهاية 2025، ما يدعم توقعات بخفض الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة بمقدار 175 نقطة أساس.