
بعد أربع سنواتٍ من العمل الدبلوماسي في الكويت، تستعد السفيرة البريطانية بليندا لويس لوداع بلدٍ لم يكن بالنسبة لها مجرد محطة في مسيرتها المهنية، بل تجربة إنسانية نابضة بالمحبة، وبيتاً ثانياً احتضنها وأسرتها، وخلّد في ذاكرتها تفاصيل لا تُنسى من المودة، والانفتاح، والمشاركة الإنسانية. وقالت لويس في حوارها مع «الجريدة» إن سنواتها الأربع لم تكن مجرد أداء للمهام الرسمية، بل كانت فصولاً متتالية من الحضور النابض بين الناس، من اللقاءات الدافئة الجميلة في البيوت الكويتية، إلى الغروب الذي تأملته من شاطئ الخليج، مروراً بـ «الكشتات» في الصحراء، وذكريات طفولة ابنتها التي كبرت في ظلال الوطن الحاني. وفي لحظة الفراق، تترك لويس خلفها مزيجاً من المشاعر كالامتنان، والحنين، والفخر بما تحقق، والأمل أن تتواصل مسيرة العلاقات بين البلدين على ذات الدرب من الثقة والمحبة… وفيما يلي تفاصيل اللقاء.
• حدثينا عن رحلتك التي استمرت 4 سنوات كسفيرة في الكويت؟
– لقد شعرت بالفعل بأنها رحلة، حيث انفتح كل عام على فصل جديد. عندما وصلت لأول مرة، كان العالم لا يزال يواجه قيود جائحة «كوفيد – 19». وكان من غير المعتاد أن أكون دبلوماسية في وقت لم يكن من الممكن عقد الاجتماعات الشخصية أو التجمعات. ومع بدء تخفيف القيود، تمت إعادة فرضها مرة أخرى، قبل أن يتم رفعها نهائيا في فبراير 2022، بالتزامن مع احتفالات الكويت بالأعياد الوطنية. كان ذلك بمنزلة بداية جديدة – إذ أصبح من الممكن الالتقاء بالناس، والاجتماع، وبناء الروابط.
علاقاتنا مستمرة في التوسع وهناك 16 رحلة جوية مباشرة أسبوعياً من الكويت إلى المملكة
كل عام منذ ذلك الحين جلب تغييرات كبيرة: فقدنا سمو الأمير الراحل، وتولت قيادة جديدة المسؤولية في الكويت، وأجريت انتخابات هنا وفي المملكة المتحدة، وتولى الملك تشارلز الثالث العرش في بريطانيا. هذه التغييرات المستمرة جعلتني لا أشعر أبدا أنني أمارس الوظيفة نفسها لأربع سنوات متتالية. بل كان هناك دائما شعور بالحركة وأشخاص جدد، أولويات جديدة، وتحديات وفرص متطورة. هذا الزخم أبقى على مستوى طاقتي عالياً، وجعل كل فصل من فترة ولايتي ينبض بالحيوية والمعنى.
تجربة إيجابية
• كيف كانت تجربتك كدبلوماسية في الكويت، وما الذي يجعلها مميزة؟
– لقد كانت تجربة إيجابية للغاية. كنت محظوظة بالقدوم إلى بلد يتمتع بعلاقة طويلة وقوية مع المملكة المتحدة، بُنيت على مدى أجيال. وبفضل جهود سلفي والروابط المتينة بين شعبينا، كانت لديّ قاعدة صلبة للبناء عليها.
إدخال نظام التصريح الإلكتروني للسفر (ETA) جعل سفر الكويتيين أسهل وأكثر مرونة
العلاقات بين بلدينا مستمرة في التوسع – هناك الآن 16 رحلة جوية مباشرة أسبوعياً من الكويت إلى المملكة المتحدة، منها 13 إلى لندن و3 إلى مانشستر. كما أن إدخال نظام التصريح الإلكتروني للسفر (ETA) جعل السفر للكويتيين أسهل وأكثر مرونة، مما فتح الأبواب للزيارات القصيرة وحتى الدورات التعليمية.
أما ما يميز الكويت حقا، فهو روح الزمالة الاستثنائية بين السلك الدبلوماسي هنا. تعد الكويت المكان الأكثر وداً ودعماً للدبلوماسيين مقارنة بأي مكان عملت فيه، سواء كانت احتفالات وطنية أو معارض فنية أو مبادرات خيرية – فإن الدبلوماسيين يدعم بعضهم بعضا حتى في أوقات الإرهاق. وهذه الروح من التضامن تنعكس كذلك على مجتمع الإعلام الكويتي، وهو أمر مؤثر بالفعل.
الاستثمارات الكويتية
• ما الأشياء التي كنتِ ترغبين في القيام بها لكن لم يتسع الوقت لها؟
– كنت أتمنى أن أرحب بجلالة الملك تشارلز الثالث في زيارة تاسعة للكويت، وآمل أن يحظى خلفي بهذه الفرصة. كما كنت أود تعميق العلاقات التجارية، وتشجيع المزيد من الاستثمارات الكويتية في المملكة المتحدة، وبالطبع تسهيل المزيد من الزيارات رفيعة المستوى.
شتاء الكويت
• ما أكثر الأشياء التي ستفتقدينها في الكويت؟
– عندما أكون في لندن، أحدق من نافذة المكتب في وزارة الخارجية، تحت المطر في ديسمبر، أعلم أنني سأفتقد شتاء الكويت المعتدل كثيرا. رغم أن الصيف قد يكون قاسيا، إلا أن معظم أيام السنة تتميز بطقس جميل.
سأفتقد منظر البحر من شرفتي، والساحل الخلاب، والهندسة المعمارية الجميلة، والغروب الذي لا يُنسى – خصوصا ذلك الذي شاهدته من المركز العلمي، حيث تغرب الشمس خلف منحنى الخليج. كما أن حديقة الشهيد قريبة إلى قلبي، زرتها مئات المرات مع أطفالي.
لقد كانت الكويت موطنا لعائلتي – جميع أعياد ميلاد ابنتي الصغرى احتُفل بها هنا. وكان مقر الإقامة التاريخي هو خلفية العديد من الذكريات الثمينة. سأحملها معي دائماً.
انتماء وترابط
• كيف تصفين علاقاتك وصداقاتك مع الشعب الكويتي؟
– أكثر ما لفت نظري في الكويت هو عدد المرات التي دعاني فيها الناس إلى منازلهم. هذا المستوى من الدفء والضيافة لا تجده في كل مكان. أحببت الجلوس حول موائد الطعام الكويتية، وسماع القصص عن الأجداد الذين كانوا بنائي سفن أو غواصي لؤلؤ أو تجاراً. هناك فخر عميق ومتجذر في التراث هنا، وهو أمر فريد وجدير بالإعجاب.
السفير الجديد رشيد سيصل إلى البلاد في الخريف المقبل وهو دبلوماسي مخضرم
الكويت تبدو مترابطة بشكل مذهل، إذا ذكرت اسم أي شخص، غالبا ما سيعرف أحدهم عمه أو عمته أو صديقه من المدرسة. في المملكة المتحدة، حيث الناس أكثر تفرقاً، فقدنا هذا الإحساس بالترابط. سأفتقد الناس، والمجتمع، والإحساس الجميل بالانتماء الذي يميز المجتمع الكويتي.
نزهات وكشتات
• وماذا عن الطعام؟
– الكويت تضم مطاعم رائعة، لكن أكثر ما استمتعت به هو تناول الطعام في الهواء الطلق – النزهات في الصحراء مع حفلات الشواء والـ «كشتات» كانت دائما من أبرز التجارب. كما أنني أحببت اللبن. كنت قد جربته في أماكن أخرى ولم أستسغه، لكن هنا أصبح جزءاً من روتيني اليومي. خصوصا مع النعناع، أصبح طعمه مختلفاً، وأعجبني كثيراً. سأبحث عنه بالتأكيد في المتاجر بلندن!
سفير جديد
• من سيخلفك سفيراً لبريطانيا لدى الكويت، وما نصيحتك له؟
– خَلَفي هو قدسي رشيد، وسيصل في الخريف المقبل. هو دبلوماسي مخضرم، مليء بالطاقة والحماس للدور. لقد تحدثنا كثيرا عن المنصب، وأنا أعلم أنه مستعد للانطلاق.
نصيحتي له هي ما قاله لي سفير بريطاني مخضرم قبل مجيئي إلى هنا: نعم، إنها وظيفة جادة وتتطلب الكثير من العمل، لكن لا تنسَ أن تستمتع بها. ستقابل أشخاصاً استثنائيين وتخوض تجارب رائعة، لذا خصص وقتا للاستمتاع بتلك اللحظات. كنت أتمنى لو أنني فعلت ذلك أكثر، بدلاً من القلق المستمر والتركيز على النتائج. هذه مرحلة فريدة في الحياة. استمتع بها بالكامل.
زيارة المملكة
• دائما تشجعين الكويتيين على زيارة بلدك… لماذا؟
– بكل تأكيد، رغم أنني منحازة قليلاً. المملكة المتحدة متنوعة، غنية بالتاريخ والثقافة والجمال الطبيعي. لدينا أربع دول متميزة، إنكلترا، واسكتلندا، وويلز، وأيرلندا الشمالية، وكل منها تقدم شيئاً مختلفاً.
الكويت المكان الأكثر وداً ودعماً للدبلوماسيين مقارنة بأي مكان عملت فيه
بينما يستمتع الكثيرون بزيارة لندن بمسارحها ومتاحفها ومطاعمها، أشجع على استكشاف ما هو أبعد. اكتشفوا منطقة البحيرات، وكوتسوولدز، وإدنبرة، ولوتش لوموند، وتروساش، وسنودونيا في ويلز، أو الثقافة الحيوية في أيرلندا الشمالية. يمكنكم التجول على السواحل الخلابة، زيارة القلاع التاريخية، أو الغوص في الثقافة المعاصرة المتقدمة.
أياً كانت تفضيلاتكم، من الطعام الفاخر إلى طعام الشارع، من المدن المزدحمة إلى الريف الهادئ، المملكة المتحدة تقدم كل ذلك. لقد عشت هناك طوال حياتي، وما زلت لم أرَ كل شيء.
شكراً للكويتيين على الترحيب والدعم والكرم
وجهت السفيرة لويس الشكر إلى الكويتيين على الترحيب، والدعم، والانخراط الإيجابي مع السفارة البريطانية، قائلة إن كل ما حققته هنا كان بفضل دفء وكرم وانفتاح الشعب الكويتي.
وأشادت بدور وجهود وسائل الإعلام في الكويت، مضيفة: «لكم كل التقدير والاحترام، لا أعلم متى تنامون؟! أنتم حاضرون في كل فعالية، كل يوم، حتى في عطلات نهاية الأسبوع».
وتابعت: «إنكم تعملون بلا كلل لإيصال الأخبار، والتقاط اللحظات، ونقل القصص إلى الجمهور الكويتي، تفانيكم مثير للإعجاب – وكان شرفاً لي أن أعمل إلى جانبكم».