
تسمح قوانين الحرب بشن هجمات على البنية التحتية للطاقة إذا كانت تخدم منشآت عسكرية مباشرة
تصاعد الدخان فوق خزانات الوقود في طهران ومحطات الغاز على الساحل الجنوبي لإيران يوم الأحد، بعدما أصبحت الطاقة أحدث جبهة في الصراع الدائر بينها وبين إسرائيل.
لطالما شكل قطاع الطاقة الإيراني الهش، المحروم من الاستثمارات الأجنبية منذ سنوات بسبب العقوبات، نقطة ضعف واضحة قبل اندلاع الحرب.
فرغم أن إيران تمتلك أحد أغنى احتياطيات النفط والغاز في العالم، إلا أنها عانت من انقطاعات متكررة في الكهرباء، ونقص في الوقود، وتوقفات في صادراتها من الغاز.
قرار إسرائيل باستهداف البنية التحتية للطاقة الإيرانية، من خلال ضربات طالت ما لا يقل عن محطتي معالجة غاز وخزانين للوقود، كان مقامرة خطيرة زادت من المخاطر في أسواق الطاقة العالمية، حسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
ومع افتتاح سوق النفط في آسيا يوم الإثنين، قفز سعر خام برنت القياسي بنسبة 5% ليتجاوز 78 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوى له منذ يناير، قبل أن يتراجع قليلاً لاحقاً.
وسجل الخام ارتفاعاً بنسبة 10% منذ اندلاع القتال الأسبوع الماضي، وسط مخاوف من أن يمتد الصراع إلى منطقة تمثل ثلث إنتاج النفط العالمي.
قال ريتشارد برونز، رئيس وحدة التحليل الجيوسياسي في شركة الأبحاث “إنرجي أسبكتس”، إن “التصعيد يتخذ مساراً تصاعدياً، وليس من الواضح أين ومتى سيتوقف”.
وأضاف: “حتى الآن، ركزت إيران هجماتها على إسرائيل، لكن السوق ستشعر بالقلق تجاه البنية التحتية للطاقة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبشأن مضيق هرمز نفسه”، في إشارة إلى الممر المائي الضيق الذي تصدر من خلاله كل من إيران والسعودية والعراق والكويت وقطر والإمارات نحو ثلث صادرات النفط والغاز المنقولة بحراً في العالم.
حتى الآن، ما زالت حركة المرور عبر المضيق تسير بشكل طبيعي.
وأشارت رايتشل ريفز، وزيرة المالية البريطانية، يوم الأحد، إلى أن أي ارتفاع مستمر في أسعار النفط الخام قد يثير مخاوف تضخمية، موضحة أن الحكومة البريطانية “تراقب الوضع عن كثب جداً”.
وقالت إنه “من الواضح أن تأثير ما يجري في الشرق الأوسط هائل، لكن التأثير علينا جميعاً كبير أيضاً، لقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة كيف أن أحداثاً بعيدة عن حدودنا تترك تداعيات كبيرة على المملكة المتحدة”.
وألمحت إسرائيل يوم الأحد إلى أنها استهدفت مستودعات تُستخدم لتزويد الوقود للاستخدامين المدني والعسكري معاً، في محاولة لإلحاق الضرر بإمدادات إيران المحلية بدلاً من ضرب قدرتها على تصدير النفط، الذي يذهب معظمه إلى الصين.
وذكر محللون أن إسرائيل تكرر تكتيكات استخدمتها في لبنان العام الماضي، تضمنت اغتيالات مستهدفة لقادة عسكريين بارزين، وتدمير أنظمة الاتصالات، وغارات جوية متواصلة على أهداف مختارة مسبقاً.
المتعاملون قد يتجهون إلى إغلاق مراكز البيع القصيرة حال حدوث تصعيد كبير
وقال جون راين، كبير المستشارين في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن: “هذه خطوة جريئة، لكنها تتماشى مع النهج الذي طوره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويؤمن بفعاليته”.
وأشار إلى أن “الهجمات على منشآت الطاقة الإيرانية تمثل بُعداً جديداً، وإن كانت تسير على نفس النهج العام: استهداف البنية الدفاعية المحلية الرئيسية، وربما شل النظام الإيراني ، وزعزعة استقرار السكان والقيادة الإيرانية. وهي أيضاً بمثابة تحذير مفاده أن لا شيء بات خارج نطاق الاستهداف. لكنني أشك في أنهم (الإسرائيليون) ينوون تدمير الشبكة بأكملها”.
تسمح قوانين الحرب بشن هجمات على البنية التحتية للطاقة إذا كانت تخدم منشآت عسكرية مباشرة، مثل سدود الطاقة الكهرومائية في وادي الرور التي دمرتها القوات الجوية البريطانية خلال مهمة دامباسترز في الحرب العالمية الثانية، أو محطات الكهرباء التي تغذي منشأة نطنز الإيرانية لتخصيب اليورانيوم، والتي دمرتها إسرائيل يوم الجمعة.
لكن القانون الإنساني الدولي يحظر استهداف منشآت الطاقة التي تخدم أغراضاً مدنية، مثل المستشفيات ومحطات المياه.
وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية عدداً من أوامر الاعتقال بحق مسؤولين روس بسبب استهدافهم المتواصل للبنية التحتية المدنية للطاقة في أوكرانيا.
كما أصدرت المحكمة أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، بما في ذلك استخدام التجويع كسلاح حرب.
من جانبها، ردت إيران حتى الآن باستهداف بعض البنية التحتية في إسرائيل، حيث أعلن مشغلو واحدة من أكبر مصافي النفط في حيفا يوم الأحد أن خطوط الأنابيب ونقل الوقود المتصلة بالمجمع قد تعرضت لأضرار، دون تسجيل إصابات أو وفيات.
لكن إيران أثبتت في السابق، عندما شعرت بتهديد وجودي، استعدادها لتصعيد الوضع وضمان أن يدفع الآخرون أيضاً ثمناً لذلك.
ففي عام 2019، ومع تنفيذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسة “الضغط الأقصى” على إيران، وفرضه موجات من العقوبات، اتُهمت طهران بالوقوف وراء هجمات تخريبية على ناقلات نفط في الخليج، إضافة إلى هجوم صاروخي وبطائرات مسيرة استهدف قلب البنية التحتية النفطية السعودية، ما أدى إلى توقف مؤقت لنحو نصف إنتاج المملكة من الخام.
سعت إيران مؤخراً إلى تحسين علاقاتها مع جيرانها في الخليج، حيث أعادت طهران والرياض العلاقات الدبلوماسية في اتفاق توسطت فيه الصين عام 2023.
تعمل كل من السعودية والإمارات بنشاط على تهدئة التوترات مع إيران، وتدعم الجهود الدبلوماسية لحل المواجهة بين الجمهورية الإسلامية والغرب.
ووفقاً للمحللين، فقد عزز البلدان بشكل كبير من دفاعاتهما حول منشآت الطاقة الخاصة بهما.
قالت سانام وكيل، مديرة قسم الشرق الأوسط في مركز الأبحاث البريطاني “تشاتام هاوس”، إن النظام الإيراني يفضل في الوقت الحالي احتواء النزاع، معتبرة أن التصعيد سيكون بمثابة “عض اليد التي تطعمه”.
لكنها أضافت أن الحسابات قد تتغيّر إذا وجدت إيران نفسها في وضع “ميؤوس منه”.
وتابعت: “يريدون احتواء الموقف، وأعتقد أن هدفهم هو الصمود لأطول فترة ممكنة مع البحث عن مَخارج كلما سنحت الفرصة”.
ورغم أن سوق النفط مزود حالياً بشكل جيد، بعدما تعهدت “أوبك” في وقت سابق من العام الجاري بزيادة كبيرة في الإنتاج، فإن المتعاملين قد يتجهون إلى إغلاق مراكز البيع القصيرة في حال حدوث تصعيد كبير في النزاع، ما قد يدفع الأسعار إلى مستويات أعلى.
وقال ريتشارد برونز: “بالتأكيد سنشهد تحركات احترازية في السوق. لا أعتقد أن المتداولين سيغامرون بتقليل تقدير حجم المخاطر الحالية”.
وأضاف أن ما سيحدث لاحقاً، خاصة حول مضيق هرمز، يصعب التنبؤ به.
وقال: “لم نشهد قط أن إيران قامت بمحاولة فعلية لوقف حركة الشحن في المضيق. نحن نعلم أن إيران تمتلك قدرات متنوعة، لكن لم تُستخدم هذه القدرات منذ حرب إيران-العراق، وقد مضى على ذلك 40 عاماً. التكنولوجيا والمخاطر تطورت كثيراً منذ ذلك الحين”.