
دجوار احمد اغا: من يحكم سوريا.. الجولاني أم الشرع!؟
دجوار احمد اغا
المدخل
سوريا مهد الحضارات بالفعل وليس بالقول. سوريا التي تتميز بتاريخها الحضاري العريق بدءً من أبجدية أوغاريت “رأس شمرا” سنة 7500 ق م مروراً بمملكتي إبلا 3000 ق م وماري 2900 ق م، وصولاً الى ملكة تدمر العظيمة زنوبيا 240 / 275 م والخلافة الاموية التي اتخذت من دمشق عاصمة لها واستمرت من العام 662 م الى 750 م. دمشق التي تُعدّ أقدم عاصمة مأهولة بالسكان في العالم والتي يوجد فيها الكثير من الكنائس المسيحية العريقة لعل أبرزها كنيسة حنانيا بالإضافة الى كونها نقطة انطلاق الرسول بطرس في رحلته التبشيرية. كما أنها تضم في جنباتها المسجد الاموي الكبير ومقام السيدة زينب وغيرها من الأماكن التاريخية والدينية. سوريا التي أعطت الإمبراطورية الرومانية العديد من الاباطرة لعل أبرزهم الامبراطور كركلا ابن جوليا دمنا ابنة حمص في الفترة 209 / 217 م والامبراطور فيليب العربي الذي حكم خلال 244 / 249 م. هذه البلاد وبهذا التنوع التاريخي والحضاري لا يمكن أن يحكمها دكتاتور ولا بد أن يسقط مهما طال الزمن وسقوط نظام البعث والطاغية الأسد خير مثال على ذلك.
حكم سوريا عبر التاريخ
مرّ الكثير من الحكام على مسرح الاحداث وفي سدة الحكم في سوريا خاصة في العصر الحديث بعد انتهاء الاحتلال العثماني واستقلال الدولة السورية في 8 اذار 1920 ومن ثم انتهاء الانتداب الفرنسي وانسحاب القوات الفرنسية من سوريا في 17 نيسان 1946، هؤلاء الحكام الذين بلغ عددهم أكثر من 27 رئيس منهم من لم يدم حكمه سوى عدة أيام ومنهم بضعة شهور وآخرين بضع سنين لكن أطول مدة حكم جاءت بعد الانقلاب الذي قام به حافظ الأسد ضد رفاقه في 16 تشرين الثاني عام 1970 حيث استلم الحكم الى أن مات في العام 2000 ومن ثم خلفه ابنه بشار في الحكم الى سقوط نظامه وهروبه ليلة 8 كانون الأول 2024.
مجيء أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع
بدأت عملية “ردع العدوان” التي أطلقتها قوات هيئة تحري الشام “جبهة النصرة” سابقاً يوم 27 تشرين الثاني 2024 ضد قوات النظام بدءً من حلب ومروراً بحماه فحمص وصولاً الى العاصمة دمشق، هذه الحملة التي جاءت بعد احداث دراماتيكية جرت في الشرق الأوسط غيّرت من موازين القوى الموجودة على الأرض وخاصة في سوريا حيث وجهت إسرائيل ضربات قوية لحلفاء النظام السوري خاصة حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني ومليشيا الحشد الشعبي العراقي بالإضافة الى سحب روسيا العدد الأكبر من قواتها وخاصة مجموعة فاغنر لمواجهة تطورات الحرب في أوكرانيا الامر الذي أدى الى ضعف كبير في قوات النظام وبالتالي عجزها عن مواجهة قوات الهيئة. وقد ظهر هذا الامر جلياً في حلب وحماه حيث لم تحدث أي مواجهة مباشرة بمعنى المواجهة بين الطرفين وانما كان قوات النظام تتراجع وتخلي مواقعها تحت حجج مثل إعادة تموضع وإعادة انتشار الى ان وصلت هذه القوات أو ما تبقى منها على مشارف حمص التي لم تدم طويلاً وانتهت بانهيار تام لقوات النظام ووصول قوات الهيئة وقوات من الجنوب السوري الى العاصمة دمشق التي غادرها ليلاً وبمساعدة القوات الروسية الرئيس السابق الطاغية بشار الأسد وعائلته الى موسكو التي منحته لجوء انساني.
من هو أبو محمد الجولاني؟
الاسم الحقيقي الذي ظهر به أبو محمد الجولاني بعد بدء عملية “ردع العدوان” وهو أحمد الشرع فمن هو أحمد الشرع؟ ومن أين جاء أبو محمد الجولاني؟
يقول الجولاني في مقابلة له مع محطة PBS الامريكية نشرت في العام 2021 أن اسمه الحركي أبو محمد الجولاني جاء بسبب أصول عائلته المنحدرة من مرتفعات الجولان السورية المحتلة وبالتحديد من قرية جيبين التابعة لمدينة فيق عاصمة منطقة الزويّة، جنوبَ محافظة القنيطرة في الجولان السوريّ المحتلّ. سافر والده الى المملكة العربية السعودية للعمل حيث ولد هناك في الرياض عام 1982 ومن ثم بعد فترة قصيرة عادت العائلة الى سوريا واستقرت في حي المزة الدمشقي العريق، قضى طفولة عادية مثل بقية الأطفال السوريين متأثراً بما يدور حوله من احداث في سوريا والمنطقة والعالم. خلال دراسته في الجامعة وخاصة بعد أحداث 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة الامريكية، بدأ بحضور اجتماعات سرية في ضواحي دمشق وكذلك حضور خطب يوم الجمعة الدينية مما أدى الى تبلور وعيه الجهادي.
الالتحاق بالجهاد في العراق
مع تبلور الوعي الجهادي لدى الجولاني، حدث الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 الامر الذي دفع بأبو محمد الى ترك الجامعة والذهاب الى العراق للالتحاق بجماعة “التوحيد والجهاد” التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي والتابعة لتنظيم القاعدة. اعتقلته القوات الامريكية سنة 2005 وبقي في السجن الى العام 2010 وبعد الافراج عنه وكان قد تم تعين أبو بكر البغدادي زعيماً للتنظيم بعد مقتل كلاُ من أبو مصعب الزرقاوي 2006 وأبو عمر البغدادي 2010. مع بدء الاحتجاجات السورية في ربيع 2011، كلفه البغدادي بالذهاب اليها وتشكيل تنظيم جهادي فيها. وبالفعل توجه الى سوريا وأسس “جبهة النصرة لأهل الشام” والتي تحولت فيما بعد الى “جبهة “النصرة”. تأزمت العلاقة بين القاعدة والبغدادي بعد دمجه تنظيمي القاعدة في سوريا والعراق في تنظيم واحد باسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) الأمر الذي أغضب زعيم القاعدة أيمن الظواهري ورفض الدمج وأصدر أمر بإلغائه، لكن البغدادي لم يرد عليه بينما التزم الجولاني بتعليمات الظواهري وانشق عن داعش وأسس “جبهة النصرة” التي حولها فيما بعد الى “هيئة تحرير الشام”
التحول البراغماتي للجولاني
ليس من السهل التحول من عقيدة متشددة قائمة على الجمود العقائدي، الى الاستناد للقيم والمبادئ الليبرالية القائمة على حرية الفرد وحماية حقوق الانسان وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تعد بالفصائل المتطرفة مثل تنظيم “القاعدة” وفرعه “داعش”. لذا لا بد من التحول بشكل تدريجي وفق خطوات مدروسة وهو ما بدأه أبو محمد الجولاني من خلال السعي لتلميع صورته والابتعاد عن البغدادي والظهور بمظهر الزعيم السوري من خلال تغيير جبهة النصرة وتحويلها الى “هيئة تحرير الشام” التي من خلالها بدأ عملية ردع العدوان في 27 تشرين الثاني 2024 حيث سيطر على الكثير من الأراضي السورية وفي مقدمتها حلب منطلقاً من معقله في ادلب. زار قلعة حلب وأرسل تطمينات للمسيحيين والأقليات بأن هدفه من العملية هو اسقاط النظام وليس الانتقام، تخلى تدريجياً عن اللباس الجهادي مثل العمامة لبدّلها بلباس عسكري وفيما بعد بالطقم الرسمي بعد أن أعلن نفسه رئيساً من خلال اجتماع الفصائل العسكرية المشاركة في الحملة بعد هروب الأسد وسقوط نظامه.
من يحكم سوريا الآن!
إذا نظرنا الى الأقوال التي يُصرّح بها السيد أحمد الشرع، نرى بأنه هناك أمل كبير في أن تتحول سوريا من نظام مركزي دكتاتوري قمعي، الى سوريا جديدة ديمقراطية يعيش فيها الجميع بمحبة، وئام، وسلام. بينما عندما ننظر الى ما يحدث في داخل سوريا من مجازر ومذابح في الساحل، بالإضافة الى الاعتداءات المتكررة على الاخوة الدروز في أحياء صحنايا وأشرفية صحنايا وجرمانا، ونشاهد الفظائع التي تُرتكب بحق السوريين على أيدي عير السوريين كما جرى في الساحل، نرى بأنه من الصعب جداً أن نرى في المستقبل القريب سوريا التي خرج مئات الالاف والملايين من السوريين الى الشوارع والساحات من أجلها.
وفي الختام
بالمحصلة، عندما يزور الرئيس السوري المملكة العربية السعودية ويلتقي الرئيس الأمريكي ومن ثم يزور الكويت والامارات ومصر ويوقع اتفاق وطني يكون أساس لبناء سوريا المستقبل مع الجنرال مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، فبالتأكيد لإن من يحكم سوريا يكون السيد أحمد الشرع الذي نتمنى له النجاح في مهامه رغم الخطورة والصعوبات والعراقيل الكثيرة التي يتم وضعها أمامه والتي تحيط به سواء من الداخل أو الخارج.
أما عندما نرى زيارات متكررة الى تركيا وقطر، الى جانب المماطلة في تنفيذ بنود الاتفاقية مع الجنرال مظلوم، والتصريحات العدائية بحق مكونات وشعوب سوريا، واستمرار الانتهاكات بحق أبناء الطائفة العلوية في الساحل السوري وبقية المناطق، والتصريحات الإعلامية المعادية للإدارة الذاتية ولقوات سوريا الديمقراطية، وتعين شخصيات متهمة بارتكاب جرائم حرب واغتيالات مثل (أبو عمشة، وحاتم أبو شقرة، فهيم عيسى، سيف بولاد أبو بكر، وغيرهم) كقادة لفرق عسكرية ومناطق في الجيش السوري الجديد بالإضافة الى تعين الكثير من المقاتلين الأجانب من أوغوز، شيشان، أوزبك، بالإضافة الى إرهابيين من مصر والأردن وغيرها في رتب عالية ضمن صفوف الجيش السوري مع القول بأنه سيتم اعطائهم الجنسية السورية، نرى بأن من يحكم سوريا هو أبو محمد الجولاني.
كلنا أمل في قدرة السيد أحمد الشرع في التصدي للعناصر الإرهابية في الداخل السوري بالإضافة الى التحول بسوريا من محور الإرهاب الى محور الحرية والديمقراطية والسلام وحسن الجوار مع الجميع.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: