لغز في أعماق بحر البلطيق يُحيِّر العلماء منذ سنوات

لغز في أعماق بحر البلطيق يُحيِّر العلماء منذ سنوات

يعتقد العلماء أنهم توصّلوا أخيراً إلى حقيقة أحد أكبر ألغاز أعماق البحار في العالم. ففي عام 2011، كان المستكشفان السويديان بيتر ليندبرغ ودينيس أسبرغ يبحثان عن الكنوز في بحر البلطيق، عندما اكتشفت رادارات السونار الخاصة بهما هيكلاً مذهلاً.

كان هذا الجسم يقع على عمق نحو 300 قدم (90 متراً) تحت سطح الماء، وكان دائرياً يبلغ قطره نحو 200 قدم (60 متراً)، وفقاً لتقرير قناة «ديسكفري».

وذكرت «الإندبندنت» أنّ الأكثر إثارة للدهشة هو أنّ شكله كان مزيّناً بخطوط زاويّة، ما دفع كثيرين إلى تشبيهه بمركبة الفضاء الشهيرة «ميلينيوم فالكون» من فيلم «حرب النجوم».

والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو احتمال احتوائه على «تشكيلات تُشبه الدَّرَج» تؤدّي إلى حفرة مُظلمة، وجسم آخر مجهول على بُعد نحو 660 قدماً (200 متر).

وفي حديثه عن الاكتشاف في ذلك الوقت، قال أسبرغ لقناة «تي في 4» السويدية: «لقد فوجئنا، وحيَّرنا الأمر. كنا نفكر: ما الذي وجدناه هنا؟ هذا ليس حطاماً. في ذلك الوقت كنا متأكدين من أن هناك تفسيراً طبيعياً. أردنا التحقيق في الأمر أكثر، وقرّرنا التكتّم عليه تماماً. اتصلنا بعلماء جيولوجيا وعلماء أحياء بحريّة، وعندما قالوا إنهم لم يروا شيئا مثل هذا، أثار ذلك مزيداً من التساؤلات. قد يكون ما وجدناه شيئا رائعاً حقاً».

أثارت الطبيعة الغامضة للاكتشاف موجة من التكهّنات، فاقترح بعض مستخدمي الإنترنت أنه قد يكون بقايا حضارة قديمة، في حين اقتنع آخرون بأنه قشرة جسم غامض، وذهب بعضٌ ثالث إلى حد افتراض أنه قد يكون سلاحاً نازياً مخفياً، أو مدخلاً إلى مخبأ سرّي من الحرب العالمية الثانية.

من جانبه، كان ليندبرغ حريصاً على تقديم أفكاره الخاصة حول ماهية هذا الجسم: «يحتوي على تشكيلات دَرَج غريبة، وإذا كان مصطنعاً، فلا بد من أنه بُني قبل عشرات الآلاف من السنوات قبل العصر الجليدي»، كما قال في مقابلة إذاعية عام 2012 -وفق شبكة «إن بي سي» الإخبارية- علماً بأنّ العصر الجليدي الأخير بلغ ذروته قبل نحو 20 ألف سنة.

وأضاف ليندبرغ، في إشارة إلى القارة الأسطورية: «إذا كانت هذه أتلانتس، فسيكون ذلك مذهلاً جداً».

ومع ذلك، أقرَّ -بشكل أكثر واقعية- أنه قد يكون أيضاً تشكيلاً طبيعياً، مثل نيزك اصطدم بالأرض، أو بركان تحت الماء.

يكفي القول إنّ بعض هذه النظريات حظيت بصدقية أكبر من غيرها. ومع ذلك، لسنوات، لم يتّفق الخبراء على ماهية هذا الهيكل الذي أصبح يُعرف باسم «شذوذ بحر البلطيق».

وإذ خلُص معظم الباحثين إلى أنّ الشذوذ كان مصنوعاً من الصخور، أصرَّ آخرون على أنه كان في الواقع مصنوعاً من المعدن.

ما أدَّى إلى تعزيز هذه الفرضية الأخيرة هو الادّعاء الذي قدَّمه الغواص ستيفان هوغربورن الذي كان جزءاً من بعثة «أوشن إكس» التي قادها ليندبرغ وأسبرغ، والتي اكتشفت هذا الشذوذ في الأصل.

وقال للصحافيين إنّ المعدات الكهربائية والأقمار الصناعية تتوقّف عن العمل كلما اقتربوا من هذا الجسم، وفق منشور على مدوّنة «تك ساي بلوغ».

ونقلت التقارير عن هوغربورن قوله: «توقّف أي جهاز كهربائي هناك، وكذلك هاتف الأقمار الاصطناعية، عن العمل، عندما كنا فوق الجسم الغريب». وتابع: «ثم عندما ابتعدنا نحو 200 متر، عاد الجهاز إلى العمل مرّة أخرى».

في الأثناء، أجرى الجيولوجي ستيف وينر، من جامعة تكساس، اختبارات على الشذوذ، مما دفعه إلى استنتاج أنه مصنوع من «معادن لا يمكن للطبيعة أن تنتجها».

على مرّ السنوات، واصل فريق «أوشن إكس» استكشاف هذا اللغز، وأخذ عيّنات من الموقع، وحتى أنه أنتج وثائقياً عن ذلك كلّه عام 2016.

بدوره، درس فولكر بروشيرت، الجيولوجي بجامعة استوكهولم، بعض هذه العيّنات، وقال: «ما تجاهله فريق (أوشن إكس) بشكل كبير هو أنّ معظم العيّنات التي أحضروها من قاع البحر هي من الغرانيت والغنييس والحجر الرملي».

دفعته تحليلاته الخاصة إلى الإصرار على أنه لا يوجد أي شيء غامض في هذا الجسم على الإطلاق. قال: «فوجئتُ عندما بحثتُ في المادة ووجدتُ حجراً أسود كبيراً يمكن أن يكون صخرة بركانية. فرضيتي هي أنّ هذا الجسم -هذه البنية- تشكَّلت خلال العصر الجليدي منذ آلاف السنوات».

واعترف غوران إكبرغ، عالم الآثار البحرية في متحف استوكهولم البحري، بأن مظهر هذا الشذوذ «غريب» لأنه «دائري تماماً». ولكنه أشار إلى أن «الطبيعة أنتجت أشياء أغرب من ذلك».

وأثبتت البحوث التي أجراها خبراء من بينهم جيولوجيون، وعلماء، وعلماء آثار بحرية، وحتى جيومورفولوجيون كوكبيون، أنّ ظاهرة بحر البلطيق الشاذة هي نتيجة لظاهرة طبيعية.

تختلف تفاصيل نظرياتهم، ولكنهم يتّفقون بشكل كبير على أنها بقايا عملية تحرّكات جليدية حدثت خلال العصر الجليدي.

وتشمل الفرضيات أنه قد يكون مصنوعاً من الحجر الرملي أو البازلت؛ وهو صخرة تشكَّلت من الحمم البركانية المتصلّبة نتيجة بركان تحت الماء، كما تشير قناة «ديسكفري».

وقد يكون أيضاً من المورين؛ وهو كتلة من الصخور والرواسب التي ترسبت بواسطة نهر جليدي، وتُشكل عادة تلالاً على حوافها.

ومع ذلك، ظلَّ ليندبرغ، المُشارك في اكتشاف الهيكل، متفائلاً بشأن هذا الاكتشاف. وقال: «كنتُ أكبر المتشكّكين، ومستعداً نوعاً ما للعثور على مجرّد حجر. بالنسبة إليّ، كانت تجربة مذهلة»، مضيفاً: «أعتقد أن شكله غريب جداً. من الصعب تقديم تفسير لما قد يكون بالضبط؛ لأن العلماء المختلفين لديهم عدد من النظريات المختلفة».

وختم: «مهما كان، فهو شيء لا نجده عادة في الطبيعة في أعماق بحر البلطيق المظلمة والباردة».