
صالح عوض: أي حرب تخوضها ايران
صالح عوض
منذ اكثر من الف سنة والمواجهة متواصلة بيننا والغرب الذي رفع لحربه عناوين عديدة ولكن هدفها الاستراتيجي تمثل في القضاء علينا كأمة ورسالة مستقلة .. كانت الحرب سجالا.. ننتصر احيانا ونغلب احيان أخرى.. و حقق الغرب في نهاية المطاف انتصارا تاريخيا باسقاط النظام السياسي الجامع لامتنا منذ قرن من الزمان..
ولكن ينبغي الانتباه ان الفصل الاخير من المواجهة تميز بمعطيين مؤثرين الأول ان الصهيونية سيطرت على الصليبية وقادتها حيث استولت عصابة المال الصهيونية على مراكز القرار والرأي والاعلام في دول المركز الغربي وصنعت لوبيات في شتى المجالات لإنجاز مهمتها في السيطرة على العالم.. الثاني: التوجه لتدمير الامبراطوريات العالمية الألمانية والروسية واليابانية والخلافة العثمانية… وتدمير المرجعية المالية لكل منها وتحويل المال العالمي تحت سيطرة عصابة المال العالمية..
وجاءت الحرب العالمية الأولى والثانية لتقسيم العالم ورسم الخرائط السياسية التي مزقت وطننا العربي إلى دويلات تكتنز الغاما موقوتة..وتم تكريس الكيان الصهيوني كقاعدة لحماية المنجز الاستراتيجي وترافق ذلك مع كيانات التجزئة بنخب سياسية أما جبانة أو مرتبطة أو فقيرة أو هزيلة في النظام السياسي العربي وتم انشاء جيل تغريب وعلمنة يشرف على التعليم والاعلام والفن مهمته تفريغ الروح من مقومات المقاومة والنهضة والصمود..
حاولت أمتنا في اكثر من مكان من خلال طلائعها ان تكسر هيمنة الاستعمار العسكرية ولكنها بعد كل تجربة. وكل انجاز تجد نفسها تعود إلى أحضان سيطرة حكومة المال العالمية من الشباك .. ولهذا فشلت كل محاولات الاستقلال الاقتصادي والمالي والسياسي.. لأنها جميعا لا تستند لرؤية كونية ولا تفهم ترابط ادوات المشروع الشيطاني الذي تشرف عليه العصابة العالمية.
كان وجود الكيان الصهيوني هو النمط الاكثر إثارة. واستفزازا.. الأمر الذي دفع العصابة دوما إلى إفراغ الإقليم والمنطقة من محاولات التصدي له وفي هذه العملية الضخمة كان لابد من تكسير ارادة الفعل وكي ارادة الوعي.. فأصبح الا عتراف بالكيان الصهيوني وشرعية وجوده احد مفردات الخطاب العربي والإسلامي وتطور الأمر إلى حملة ضخمة للتطبيع معه.. و اصبح غريبا ان يكون هناك من يخرج عن نسق هذا الفهم ..
لقد طوقت العصابة المالية الصهيونية التي انشأت النظام الدولي الجديد هذا الكيان بواقع عربي مخترق مهشم كما رسمت قوانين ومنظمات وقرارات دولية لاعتبار ان الكيان الصهيوني خط أحمر دوليا وكل من ساحاول الاقتراب من المساس بامنه أو وجوده ستصعقه قوة الفعل العالمية..
خارج هذا السياق وفيما كان النظام العربي يدشن حالة التطبيع والانهيار وترسيم شرعية الكيان على حساب فلسطين .. انطلقت الثورة الإيرانية ليعلن قائدها الخميني ان هناك شيطان اكبر يدير عملية الاستعباد للبشر وان هذا الشيطان يتحكم في العالم وان الكيان الصهيوني قاعدته المتقدمة وانه لا بد من قطع يد الشياطين عن بلاد العرب والمسلمين وانه لابد من اجتثات الغدة السرطانية..
كانت هذه المباديء السياسية غريبة تماما عن منطق دول الإقليم التي تعيش على رضى الادارات الغربية المسيرة من قبل العصابة الشيطانية.. وكانت هذه المباديء السياسية عبارة عن اشارة خطر أمام جملة المشروع الاستكباري.. فتجند الإعلام الشيطاني وتم الدفع بقوى الإقليم للتصدي لهذه المحاولة واسقاطها وتم توظيف ادوات عديدة واستخدمت شعارات متنوعة للقضاء عليها ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تكاتفوا في حرب ضروس ضد الثورة الوليدة كلفهتها ملايين الضحايا و والثروات كل ذلك في ظل حصار وعقوبات متتالية خانقة..
صحيح تكون الثورة تحت هاجس البحث عن حلفاء في المنطقة ارتبكت وارتكبت بعض الأخطاء لكنها لم تتنازل عن مبادئها الأصلية وذهبت في ظل الحصار والعقوبات لتقوية الدولة والمجتمع والاهتمام بالتصنيع والحربي خاصة..
في المحيط الإقليمي تطور موضوع التطبيع إلى حالة الاندماج مع المشروع الصهيوني فيما عرف بالابراهيمية التي أصبحت خطة ومشروع وظفت فيها دول وحكومات ولم يتأخر الفاتيكان عن رسم خطوط الجغرافية فيها ترجمة للمشروع الصهيوني
ومن هنا تطورت الصعوبات وتعقدت حيث اصبح المشروع الصهيوني في مرحلة متقدمة تماما ويهيمن عمليا على الإقليم كله بل على معظم الدول العربية والاسلامية..
جاء ٧ اكتوبر ٢٠٢٣ صرخة قوية وصدمة عنيفة للمشروع الصهيوني فحركت الصهيونية العالمية حكام الغرب جميعا للمشاركة فورا في القضاء نهائيا على آثار الصدمة العنيفة..
وفي خطة خداع استراتيجي تبادل الغربيون الأدوار.. كانت الخطوة الأولى محاولة كسر غزة المقاومة والشعب ولما صعب عليهم ذلك اتجهوا لابادته وتكسير اي محاولة عربية لنجدة غزة فكان نصيب حزب الله حربا جنونية الحقت به أذى كبيرا..
أمام الصهيونية العالمية اصبح الأمر واضحا انه لا بد من تحطيم مرجعية المقاومة وسندها في المنطقة.. فلئن نجحت الأجهزة الأمنية الغربية وحلفاؤها في المنطقة من احداث اختراقات أمنية فاعلة في الجسم الحكومي الايراني الا انها لم تستطع اختراق الوعي ومنظومة الأفكار والمفاهيم.. فظلت الثورة على نفس مبادئها من الاستقلالية ودعم فلسطين ومقاومتها ماديا ومعنويا وسياسيا ولعل ايران هي الدولة الوحيدة التي بقيت في هذا الخندق..
منذ اكثر من ١٥ سنة لم يتوقف نتنياهو عن التلويح بضرورة ضرب ايران وتكسيرها لم يكن هذا مجرد شعار بل خطط متنوعة.. لم يتردد كثير من دول المنطقة عن مشاركته في العمل والتوجه.. جاء ٧ اكتوبر لايجعل هذا التوجه اكثر من ضرورة..
اذن ايران تدخل الان المعركة الحاسمة مع الصهيونية العالمية وادواتها وهي معركة ضارية.. ومن المؤكد ان الاشتباك العنيف الان ليس اخر المطاف فلقد تعود صناع القرار الدولي ان يذهبوا في العدوان إلى نهايته.. ويجب أن نعترف انهم في معركتهم هذه ليسوا كما كانوا في كل حروبهم العالمية الأخرى.. هم الآن في مواجهة نقيض كامل رغم انه لا يمتلك من ادوات القوة ما يؤهله لحسم المعركة لكنه يمتلك رؤية كاملة مفاهيمية واخلاقية نقيضة تماما العصابة الصهيونية في العالم..
من هنا تأتي صعوبة المواجهة
ومن هنا بالضبط نشعر كم هو الاختراق عميقا في منظوماتنا الفكرية والمفاهيمية بل والقيمية.. حيث تبدو قطاعات الامة وطلائعها السياسية والفكرية بل والدينية في حالة بيات إجباري تشاهد ساحة الصراع العنيف وهي عاجزة عن ابداء اقل مايمكن من قوة المشاركة..
ايران اتخذت قرار المواجهة الصعبة وتحرك الامة حولها يوحي بالعجز المؤقت القاتل.. بل وحالة الخذلان حيث تنتشر القواعد الامريكية في كل محيط ايران مشاركة للعدو الصهيوني بكل فاعلية القتل والجريمة..
من هنا بالضبط يمكن القول اننا ندخل معركة تاريخية تمتلك إيران فيها الحق واليقين والوعي والإرادة والشجاعه.. و تبدي المواجهات العنيفة اقتدارا ايرانيا الحق بالكيان الصهيوني خساير عميقة في افكاره وروحه ومشروعه..
ايران تحدث الصدمة التالية .. فلئن عرى ٧ اكتوبر الكيان الصهيوني من دعايته حول الجيش الذي لايقهر كما عرت غزة هذا الكيان من سردية المظلومية واظهرته على طبيعته الحقيقية وكشفت من خلفه من عصابة الشيطان التي تذل شعوب العالم.. فهاهي ايران تقول ان مواجهة الكيان ممكنة بل ان إلحاق الاذى الكبير به امر ممكن..
من المؤكد ان كل يوم يمر على الحرب هو انتصار جديد لإيران كما انه ذعر حقيقي للكيان ومموليه.. وليس سهلا على الممولين الدخول في ميادين أخرى من الصراع الذي لن يتوقف عند حدود ايران.. وهكذا يكتشف صناع القرار الدولي انهم يدخلون ورطة تاريخية تصعب فيها الحسابات..
صمود إيران ٤٦ سنة حصار وعقوبات هو انتصار كبير للثورة .. وان هذا الأسبوع الجنوني من الحرب هو شهادة كالشمس لإيران بصحة التوجه وسلامة اليقين وصدق المشروع وثباته .. كل ساعة في المواجهة انتصار للارادة والادارة الايرانية كما انه انكسار جديد للمشروع الصهيوني ومموليه في الحركة الصهيونية العالمية التي توظف الجميع في حروبها.. إن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: