
رغم التحديات العالمية… البنك الدولي يتوقع نمو اقتصادات الخليج بـ3.2 % هذا العام
أكد البنك الدولي أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي أظهرت مرونة وقدرة على الصمود في ظل بيئة اقتصادية عالمية متقلبة، مدفوعةً بجهودها الحثيثة لتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط، متوقعاً أن تسجل نمواً اقتصادياً بواقع 3.2 في المائة، و4.5 في المائة في العام المقبل.
وتعد توقعات البنك الدولي لنمو هذا العام أقل من توقعاته السابقة البالغة 4.2 في المائة في ديسمبر (كانون الأول)، فيما رفعها للعام المقبل من 4.2 في المائة إلى 4.5 في المائة.
وبحسب البنك الدولي في تقريره الصادر بعنوان «إنفاق ذكي ونواتج اقتصادية أقوى: سياسات المالية العامة من أجل ازدهار دول مجلس التعاون الخليجي»، شهدت المنطقة نمواً اقتصادياً بلغ 1.7 في المائة في عام 2024، مقارنةً بنسبة 0.3 في المائة في عام 2023.
يقول البنك إن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي أظهرت مرونة وقدرة على الصمود في ظل بيئة اقتصادية عالمية متقلبة، مدفوعةً بجهودها الحثيثة لتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط. وقال إنه في الوقت الذي لا تزال فيه أسواق الطاقة العالمية تؤدي دوراً محورياً في اقتصادات المنطقة، تتسارع وتيرة النمو الاقتصادي غير النفطي، مما يعزز نموذج تنموي أكثر توازناً.
وفي هذا السياق، قالت المديرة الإقليمية لدول مجلس التعاون الخليجي بالبنك الدولي، صفاء الطيب الكوقلي إن «قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على الصمود في مواجهة حالة عدم اليقين على النطاق العالمي، واستمرارها في تعزيز أنشطة التنويع الاقتصادي، تؤكد التزامها القوي بتحقيق الازدهار على المدى الطويل». وأضافت: «تعد السياسات الاستراتيجية لدعم المالية العامة، والاستثمارات المستهدفة، والتركيز القوي على الابتكار وريادة الأعمال، وخلق فرص العمل للشباب، ضرورة قصوى للحفاظ على النمو والاستقرار».
نمو قياسي في القطاع غير النفطي
استمر القطاع غير النفطي في إظهار قدرته على الصمود، بزيادة 3.7 في المائة. وأسهم في تحقيق هذا النمو بشكل كبير كل من الاستهلاك الخاص، والاستثمار، والإصلاحات الهيكلية التي تم تنفيذها في دول مجلس التعاون الخليجي، وفق البنك الدولي.
يقول البنك إن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي شهدت انكماشاً في عام 2024 بنسبة 3 في المائة في قطاع النفط، وذلك بسبب تخفيضات الإنتاج التي أقرتها مجموعة «أوبك بلس» بهدف تحقيق استقرار أسعار الطاقة العالمية. ومع ذلك، لم يوقف هذا الانكماش عجلة النمو الكلي في المنطقة، حيث ارتفع المعدل الإجمالي للنمو إلى 1.8 في المائة. وعزا البنك هذا الارتفاع بشكل كبير إلى التوسع المرن في القطاع غير النفطي، الذي حقق نمواً لافتاً بنحو 3.9 في المائة. وقد أسهم كل من السعودية والبحرين وعُمان وقطر والإمارات في تحقيق هذا النمو. وتشير التقديرات إلى أن 50 في المائة من هذا التوسع في الأنشطة غير النفطية يعود إلى الاستهلاك الخاص، بينما يدفع الاستهلاك الحكومي والاستثمارات الثابتة النصف الآخر.
وبالنسبة إلى السعودية، ذكر البنك الدولي أن نمو القطاع غير النفطي كان قوياً عام 2024 وبنسبة 4.3 في المائة، مدفوعاً بقطاع الخدمات، موضحاً أن «رؤية 2030» تواصل دفع عجلة التنويع، حيث ارتفعت حصة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي من 45.4 في المائة إلى 54.8 في المائة منذ اعتمادها.
ويتوقع البنك الدولي أن يحافظ القطاع غير النفطي على وتيرة نمو مستقرة تبلغ 4.97 في المائة على المدى المتوسط، و«هو ما يؤكد نجاح جهود التنويع الاقتصادي الجارية في دول المنطقة».
تحديات التجارة العالمية
ويتحدث البنك الدولي عن تحديات تواجه جهود التنويع الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي مرتبطة بحالة عدم اليقين التي تحيط بالتجارة العالمية. وقد يتجلى هذا التأثير من خلال العرض من المواد والسلع التي يتم الحصول عليها من مصادر خارجية، بالإضافة إلى الطلب على الصادرات النفطية.
وعلى صعيد الطلب العالمي، قد يؤدي عدم اليقين بشأن سياسات التجارة والتعريفات الجمركية إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي، مما ينعكس سلباً على الطلب العالمي على النفط الذي يظل من أهم سلع التصدير لدول مجلس التعاون الخليجي.
كذلك، قد تؤثر التغيرات في ديناميكية الأعمال والمستهلكين في الصين بشكل واضح على دول مجلس التعاون الخليجي، نظراً إلى الروابط التجارية القوية بينهما. وفي الوقت نفسه، قد يمثل عدم اليقين فرصة لتسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية في دول مجلس التعاون الخليجي.
تضخم منخفض
لا يزال معدل التضخم منخفضاً في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى الرغم من خفض أسعار الفائدة في عام 2024 فقد بلغ متوسط معدل التضخم نحو 2.0 في المائة خلال عام 2024، مما يعكس انخفاضاً إضافياً مقارنة بالمتوسط البالغ 2.2 في المائة في عام 2023. وفي عام 2024 وعلى عكس السنوات السابقة، شهدت جميع دول مجلس التعاون الخليجي تخفيضات في أسعار الفائدة، وذلك تماشياً مع قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، نظراً لارتباط سعر الصرف بالدولار.
هذا، ويناقش تقرير البنك الدولي مدى فاعلية السياسات المالية العامة في تحقيق الاستقرار بالاقتصاد الكلي وتشجيع النمو. وهو يعد أن هذا الموضوع يكتسب أهمية خاصة نظراً لأن تقلبات أسعار النفط تشكل مصدراً للضغط على الموازنة العامة في كثير من دول المنطقة، إذ يتوقع أن تشهد بعض دول مجلس التعاون الخليجي عجزاً زائداً في المالية العامة في عام 2025 مما يؤكد على ضرورة فهم مدى فاعلية السياسات المالية العامة.
ويخلص التقرير إلى أن الإنفاق الحكومي في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي أسهم في استقرار الاقتصادات بشكل فعال، لا سيما خلال فترات الركود. وتظهر النتائج أن زيادة النفقات المالية العامة بمقدار وحدة واحدة يؤدي إلى زيادة الناتج غير النفطي بمقدار 0.1 – 0.45 وحدة في المنطقة. كما يخلص التقرير إلى أن تأثير الاستثمار الحكومي على الإنتاج غير النفطي يعد هامشياً بزيادة نسبتها 0.07 في المائة في الناتج المحتمل لكل زيادة بنسبة نقطة مئوية واحدة في الاستثمار.
يستعرض التقرير أيضاً مسيرة سلطنة عُمان نحو ضبط الأوضاع المالية العامة بوصف ذلك مثالاً يحتذى به للإصلاح الاقتصادي الفعال وإدارة المالية العامة للدولة على نحو مسؤول. ويسلط على أبرز التحديات التي واجهتها سلطنة عمان نتيجة الاعتماد الكبير على النفط، بالإضافة إلى التدابير التي اتخذتها لاستعادة توازن أرصدة الموازنة العامة للدولة، كما يستعرض النواتج الإيجابية التي حققتها هذه الإصلاحات. وفي إطار برنامج خطة التوازن المالي متوسطة المدى 2020 – 2024، تبنت سلطنة عمان إصلاحات واسعة النطاق لتنويع مصادر الإيرادات، وتحسين كفاءة الإنفاق، وإدارة الموارد النفطية بحكمة. وقد أسفرت تلك الإصلاحات التي قامت بها سلطنة عُمان عن نتائج ملموسة ظهرت منذ عام 2022، مع تحسن ملحوظ في أوضاع المالية العامة للدولة وانخفاض كبير في الدين العام.
آفاق النمو
وجاءت توقعات البنك الدولي بالنسبة إلى آفاق النمو في دول مجلس التعاون الخليجي على النحو التالي:
- البحرين: رفع البنك الدولي توقعاته لنمو البحرين إلى 3.5 في المائة في عام 2025 من توقعاته السابقة البالغة 3.3 في المائة، بعد عامين من الانخفاض. ويرجع التحسن مقارنة بعام 2024، الذي شهد نمواً بنسبة 3 في المائة، إلى اكتمال مشروع تحديث مصفاة «بابكو» للتكرير، بالإضافة إلى النمو القوي في القطاع غير النفطي. وفي 2026 – 2027، من المتوقع أن يبلغ متوسط النمو الإجمالي 2.9 في المائة بفضل استمرار النمو غير النفطي والتوسع في مصفاة سترة لتكرير النفط.
- الكويت: من المتوقع أن يتعافى النمو بشكل كبير ويصل إلى 2.2 في المائة في عام 2025 (علماً بأن التوقعات السابقة كانت 2.6 في المائة)، مقارنة بنحو -2.9 في المائة في عام 2024 و-3.6 في المائة في عام 2023. ومما يفسر هذه التوقعات الإيجابية الإلغاء التدريجي لسقوف الإنتاج التي أقرتها «أوبك بلس»، والتوسع في القطاعات غير النفطية المدعومة بنمو نشاط الائتمان ومشروعات البنية التحتية الكبيرة. ومن المتوقع أن يظل النمو الاقتصادي مستقراً عند 2.7 في المائة خلال الفترة 2026 – 2027.
- سلطنة عُمان: من المتوقع أن تتسارع وتيرة النمو تدريجياً إلى 3 في المائة في عام 2025 (مقابل 1.7في المائة في عام 2024)، و3.7 في المائة في عام 2026، و4 في المائة في عام 2027. كما من المتوقع أن يسهم الانتعاش في إنتاج النفط، مع نمو إجمالي الناتج المحلي النفطي بنسبة 2.1 في المائة في عام 2025، إلى جانب النمو القوي في القطاعات غير النفطية بنسبة 3.4 في المائة، في دفع مزيد من التحسن في آفاق النمو.
- قطر: خفّض البنك الدولي توقعاته لنمو قطر هذا العام من 3.4 في المائة في ديسمبر إلى 2.4 في المائة في عام 2025، ويتوقع أن تتسارع وتيرته إلى متوسط قدره 6.5 في المائة في 2026 – 2027 بسبب التوسع في طاقة الغاز الطبيعي المسال. هذا التحسن في الآفاق المحسنة يدعمها النمو القوي في القطاعات غير النفطية. ومن المتوقع أيضاً أن يشهد القطاع النفطي نمواً طفيفاً بنسبة 0.9 في المائة في 2025، قبل حدوث الطفرة الكبيرة المرتقبة في 2026 بفضل توسع حقل الشمال للغاز الطبيعي المسال، مما يؤدي إلى زيادة بنسبة 40 في المائة في إنتاج الغاز الطبيعي المسال.
- السعودية: من المتوقع أن يستمر النمو الاقتصادي في التعافي بعد انخفاضه إلى 1.3 في المائة في عام 2023، وسيرتفع إلى 2.8 في المائة في عام 2025 (من 4.7 في المائة في توقعاته السابقة). وسيبلغ متوسطاً قدره 4.6 في المائة في 2026 – 2027. كما يتوقع أن يؤدي الإلغاء التدريجي لتخفيضات الإنتاج الطوعية التي أقرتها «أوبك بلس» إلى زيادة نمو إجمالي الناتج المحلي النفطي إلى 6.7 في المائة في عام 2026 و6.1 في المائة في عام 2027. في الوقت نفسه، يتوقع أن يستمر الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في الارتفاع على نحو مطرد بنسبة 3.6 في المائة في المتوسط بين عامي 2025 و2027، حيث تسعى المملكة إلى استكمال تنفيذ برنامج التنويع الاقتصادي في إطار «رؤية 2030».
- الإمارات: رفع البنك الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي في الإمارات إلى 4.6 في المائة في عام 2025 من توقعاته السابقة البالغة 4.1 في المائة، وسيستقر عند 4.9 في المائة خلال عامي 2026 و2027. وستواصل القطاعات غير النفطية دورها بوصفها محركاً رئيساً للنمو، حيث يتوقع أن تحقق نسبة نمو تبلغ 4.9 في المائة في عام 2025.