
الدكتور علي أحمد الديلمي: من يكتب الفصل الأخير في اليمن؟
الدكتور علي أحمد الديلمي
من يكتب الفصل الأخير في اليمن؟ سؤال يفرض نفسه بقوة على المشهد السياسي اليمني اليوم في ظل المتغيرات الإقليمية وانكفاء الفاعلين الخارجيين وسيطرة أنصار الله على مركز القرار في صنعاء هذا السؤال لا يُطرح نظريًا بل عمليًا على أرض الواقع ويبحث عن نهاية مختلفة لحرب أنهكت اليمنيين ومزقت نسيجهم وأدخلت البلاد في أطول أزمة في تاريخها الحديث ومع كل هذا فإن القلم لم يُرفع بعد والصفحة الأخيرة لا تزال بيضاء.
تشهد المنطقة تحولات متسارعة بعد التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل وما تبعه من ردود فعل إقليمية ودولية وتنعكس هذه التطورات بصورة مباشرة على الوضع في اليمن وتحديدًا على جماعة أنصار الله التي تُعد الحليف الأقرب لطهران في الجزيرة العربية ومع تغير موازين القوى وتضييق الخناق الدولي على حلفاء إيران تتجه الأنظار إلى صنعاء حيث تمسك الجماعة بزمام المبادرة وتبدو مسؤولة اليوم عن أكثر من مجرد سلطة أمر واقع بل عن مستقبل بلد بأكمله.
يمتلك أنصار الله فرصة حقيقية للانتقال من حركة مسلحة إلى مكوّن سياسي وطني مسؤول وإذا ما أحسنوا قراءة التحولات يمكنهم أن يصبحوا جزءًا من مشروع دولة لا خصمًا لها لديهم القدرة على أن يعيدوا تعريف أنفسهم ضمن معادلة جديدة تقوم على الشراكة واحترام التعدد والتخلي عن منطق الغلبة وتحويل القوة العسكرية إلى شرعية سياسية يتطلب فتح المجال أمام القوى الوطنية الأخرى والاعتراف بالتنوع السياسي والمذهبي والثقافي الذي يشكل جوهر الهوية اليمنية.
غير أن الإصرار على احتكار السلطة وفرض الرؤية الأحادية وإدارة الدولة بعقلية المليشيا يهدد بإعادة إنتاج دائرة العنف من جديد بل ويجعل من الجماعة عبئًا على الداخل لا قوة ضامنة لاستقراره وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن فرص السلام ستتلاشى والبلاد ستدخل طورًا جديدًا من الاستنزاف المفتوح وهذا لا يخدم حتى من يظن نفسه منتصرًا فما من نصر يُبنى على أنقاض مجتمع محطم ومؤسسات خاوية.
الخارج اليوم لم يعد يملك حلًا سحريًا للساحة اليمنية فالتحالف العربي في حالة تراجع والولايات المتحدة تخفف انخراطها في الملفات المعقدة والأمم المتحدة تبدو أقرب إلى المراقب منها إلى الفاعل كل ذلك يُسلم زمام القرار إلى الداخل وصنعاء بالتحديد هي الآن في قلب هذا القرار وبهذا فإن من يسيطر على العاصمة لا يملك فقط السلطة بل أيضًا المسؤولية التاريخية في تقرير مصير اليمن.
قد يرى البعض أن صمود النظام الإيراني في وجه الضغوط الإقليمية والدولية يُعد مكسبًا لأنصار الله وأنه يعزز من موقعهم السياسي لكن الحقيقة أن هذا الصمود لا يُترجم تلقائيًا إلى نصر يمني لأن الارتباط المفرط بإيران يضع الجماعة في موقع الاشتباك الدائم ويقلل من فرص قبولها في محيطها الوطني والمطلوب اليوم ليس تعميق هذا الارتباط بل الانفكاك منه تدريجيًا وبناء مشروع وطني مستقل يستمد شرعيته من الداخل لا من الخارج.
اليمن يقف اليوم على عتبة فاصلة وأنصار أمام اختبار تاريخي إما أن يكتبوا الفصل الأخير بلغة الدولة والوطن والتعدد وإما أن يُكتب عنهم أنهم أداروا البلاد بمنطق المليشيا والتمكين والغلبة لحظة الكتابة الآن هي لحظة مسؤولية لا شعارات لحظة عقل لا غرور ومن يكتب الفصل الأخير في اليمن عليه أن يسأل نفسه أولًا من أجل من يكتب ولأي غد يريد أن يُفتح هذا الكتاب.
سفير في وزارة الخارجية اليمنية
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: