
يعاني قطاع المطاعم في مدينة بوسطن الواقعة شمال شرق الولايات المتحدة من ضغوط مالية متزايدة في ظل تصاعد الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب؛ ما أدى إلى ارتفاع كبير في تكاليف التشغيل وتباطؤ في وتيرة إنفاق المستهلكين على خدمات الطعام خارج المنزل.
وأفاد تقرير لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي خلال يونيو الجاري بأن أسعار الأغذية المقدمة في المطاعم والمؤسسات العامة في منطقة بوسطن-كامبريدج-نيوتن أحدى أهم المناطق السكانية والاقتصادية في ولاية ماساتشوستس شمال شرق أمريكا ارتفعت بنسبة 6.2% خلال مايو الماضي مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024؛ وهو ما يفوق معدل التضخم العام ويعكس الضغوط الهيكلية التي تواجهها شركات تقديم الطعام.
وقال الشيف كريس كومبس، الذي يدير عدة مطاعم فاخرة في بوسطن، لصحيفة “بوسطن جلوب” الأمريكية، إن الطبقة المتوسطة العليا لم تعد قادرة على الحفاظ على نمط استهلاكها السابق، موضحًا أن من كانوا ينفقون على تناول الطعام خارج المنزل ثلاث أو أربع مرات أسبوعيًا باتوا يقتصرون على مرة واحدة فقط.
وتشير المؤشرات إلى أن المطاعم باتت تتبنى استراتيجيات مختلفة لاحتواء التكاليف المتزايدة، من بينها تعديل قوائم الأسعار، وإضافة رسوم منفصلة على مكونات كانت تُقدَّم ضمن السعر الأساسي، وفرض رسوم إضافية على بعض المواد التي شهدت ارتفاعات حادة في أسعارها مثل البيض، فضلًا عن تقليص عدد الأطباق مرتفعة التكلفة التي لم تعد تحظى بإقبال واسع.
وفي ظل هذه التطورات، سجّلت مطاعم شمال بوسطن، المعروفة بمطاعمها الإيطالية، زيادات كبيرة في أسعار بعض الوجبات، كما ارتفعت أسعار أطباق المأكولات البحرية بنسبة وصلت إلى 15% خلال عامين، ما يعكس الضغوط التضخمية المتراكمة.
وترى جين زيسكين، المديرة التنفيذية لمؤسسة اتحاد مطاعم ماساتشوستس، أن القطاع يعيش لحظة فارقة، قائلة: “الأرقام لم تعد تعمل، علينا التفكير في نماذج تشغيل جديدة تتلاءم مع الواقع الاقتصادي الراهن”.
وتواجه المطاعم الآن معادلة معقدة بين رفع الأسعار للحفاظ على الهوامش الربحية، وما قد يسببه ذلك من تراجع في عدد الزبائن، أو تثبيت الأسعار على حساب الربحية، وهي استراتيجية قد تدفع بعضها لتقليص العمالة أو خفض جودة الخدمة، الأمر الذي قد يفاقم التحديات.
وفي هذا السياق، أظهر مسح أجرته مؤسسة جيمس بيرد لفنون الطهي أن المطاعم التي رفعت أسعارها بأكثر من 15% خلال عام 2024 شهدت تراجعًا في الأرباح نتيجة انخفاض الإقبال.
ومن بين البدائل المطروحة لتفادي التأثير المباشر على المستهلكين، تلجأ بعض المطاعم إلى تقليص حجم الحصص المقدمة دون المساس بالسعر، وهي خطوة تلبي الطلب المتغير في سوق يعاني من تراجع شهية المستهلكين لأسباب اقتصادية وصحية، لا سيما في ظل تنامي استخدام أدوية تقليل الشهية مثل “أوزيمبيك”.
وفي ظل هذه التحديات المركبة، يواجه قطاع المطاعم في بوسطن اختبارًا حقيقيًا لقدراته على التكيف مع بيئة اقتصادية تتسم بالجمود الاستهلاكي والتكاليف المرتفعة، وسط غياب واضح لأي انفراجة تنظيمية أو مالية في الأفق القريب.