رانية مرجية: الإبداع لا يُختَصر في جماعة: دعونا نتحرر من الشليلة

رانية مرجية: الإبداع لا يُختَصر في جماعة: دعونا نتحرر من الشليلة

رانية مرجية: الإبداع لا يُختَصر في جماعة: دعونا نتحرر من الشليلة

 
 
رانية مرجية

في زمن يتناقص فيه النقاء الثقافي ويتكاثر فيه ضجيج المنابر، يصبح من الضروري، بل من الواجب، أن نكون صادقين مع أنفسنا أولًا، قبل أن نطالب الآخرين بالشفافية أو الإنصاف.

فلنقلها بصراحة، دون مواربة: الإبداع في بلادنا مخطوف، لا من الرقابة ولا من الاحتلال، بل أحيانًا من أبنائه وبناته أنفسهم. من تلك “الشِلل” الصغيرة التي تعتقد أنها حارسة الهيكل الأدبي، وصاحبة الامتياز الحصري في تحديد من هو المبدع، ومن هو “الطارئ” أو “غير الجدير”.

الشليلة، هذا السرطان الهادئ، الذي يتسلّل إلى اللقاءات الثقافية، إلى لجان التحكيم، إلى صالونات الأدب، إلى صفحات الجرائد، حتى باتت بعض الأصوات تُكرَّس لا لأنها الأجدر، بل لأنها تنتمي إلى الجماعة “الصحّ”. وما أدراك ما الجماعة “الصحّ”، تلك التي تتبادل المديح في العلن، وتذبح المختلف في السرّ، ثم تتحدث عن التعددية وحرية التعبير بوقاحة فاخرة.

لكننا نعلم، ويعلمون، أن الإبداع لا يُختَصر في مجموعة، ولا يتسع في حقيبة أحد. الإبداع لا جنسية له، ولا عشيرة، ولا مرجعية ثابتة. هو طائر حرّ، لا يحلّق في أقفاص العلاقات العامة، ولا يرقص على أنغام المجاملة. كل مبدع حقيقي يعلم أن الكتابة ليست عضوية في نادٍ مغلق، بل هي انتماء إلى القلق الإنساني، إلى الأسئلة الوجودية التي تتجاوز الأسماء والعناوين.

إن ما يحدث اليوم ليس خلافًا أدبيًّا، بل أزمة أخلاقية. أزمة حين نرى نصًّا أصيلًا يُقصى لأنه “لا يشبهنا”، بينما تُصفق الأيادي لنصوص مكرورة لأن كاتبها “واحد من جماعتنا”. وما أكثر الجماعات، وما أقل الجرأة.

ما نحتاجه اليوم هو صوت حرّ لا يخشى الحقيقة، حتى وإن كلّفته العزلة. نحتاج إلى مثقفين لا يرتجفون إذا أبدع الآخر، ولا يستنفرون إذا خرج النصّ عن السياق المتوقع. نحتاج إلى نقد نظيف، لا إلى تصفية حسابات مموّهة.

فلنمنح الأدب فرصة أن يتنفّس خارج التنسيقات المسبقة. دعونا نقرأ بروح منفتحة، لا بحسابات الولاء. دعونا نفرح حين نقرأ نصًا جيدًا، حتى لو كتبه من لا نعرفه، أو من لا يشاركنا صحن القهوة بعد الندوة.

الإبداع لا يعرف الشليلة، بل يخاف منها. الإبداع ليس مرآة للمجاملات، بل ساحة للدهشة، للصدمة، للحقيقة. من يكتب ليُرضي الجماعة لا يصنع أدبًا، بل منشورًا داخليًّا.

آن الأوان أن نحطم هذا الحصار. أن نعيد للأدب كرامته، وللكاتب حريته، وللقارئ حقّه في الاختلاف. آن الأوان أن نقولها: “لسنا ضد أحد، لكننا مع الجميع”. نفتح الأبواب على مصراعيها، لا خوفًا من الاتهام، بل احترامًا للحق في الوجود.

ختامًا، لنعترف: من يخاف من النصوص الجديدة، من المواهب الصاعدة، من الأصوات التي تخرج من خارج “الدائرة”، هو ببساطة لا يثق بموهبته، بل فقط بعضويته في الجماعة.

فلنخرج من الدائرة. لنتنفس.
 

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: