خطة شاملة لتطوير سوق الأوامر في البورصة ومواجهة التلاعبات والمخالفات

خطة شاملة لتطوير سوق الأوامر في البورصة ومواجهة التلاعبات والمخالفات

تسعى البورصة المصرية إلى إعادة هيكلة سوق الأوامر وتطبيق ضوابط سعرية مناسبة للحد من التذبذبات الحادة، وحماية المتعاملين من الخسائر الناجمة عن الأخطاء البشرية أو المضاربة المفرطة.

كما أن توسع استخدام السوق كملاذ للشركات المشطوبة، دون إصلاحات هيكلية واضحة، قد يخلق بيئة غير جاذبة للمستثمر المؤسسي أو الفردي على حد سواء.

في ظل هذه التحديات، يبرز ضرورة النظر في آليات تنظيم هذا السوق، إما بفرض ضوابط سعرية، أو بإدخال حلول تقنية مثل التحذير من الأوامر بسعر السوق، أو حتى العودة لطرح بدائل تنظيمية أكثر أمانًا، تضمن تداولًا شفافًا وعادلاً يتماشى مع أهداف تطوير سوق المال في مصر.

وسوق الأوامر في البورصة المصرية مخصص لتداول الأوراق المالية للشركات غير المقيدة بالبورصة الرئيسية، وهو يهدف إلى توفير منصة لتداول هذه الشركات وتسهيل إجراءات البيع والشراء عليها بشكل إلكتروني. 

وتقوم آلية سوق الأوامر على نظام المزايدة، إذ تُدرج الأوامر آليًا ويتم تنفيذها بحسب أولويات الأسعار، وهو ما يختلف عن “سوق الصفقات” الخاص بالأوراق المالية غير المقيدة، حيث يتم الاتفاق مسبقًا بين البائع والمشتري على السعر دون المرور بآلية مزايدة علنية.

ويعد نظام القبول الآلي للأوامر ممارسة شائعة في عدد من الأسواق العالمية، إذ يُستخدم كأداة لتيسير التداول على الأوراق غير المقيدة، بما يسهم في تشجيع الشركات على إعادة القيد الرسمي بالبورصات، ويمنح المتعاملين فرصة لتداول هذه الأوراق بشكل أكثر شفافية وفاعلية.

وقد شهد هذا السوق خلال السنوات الأخيرة زيادة مطردة في عدد الشركات المتداولة، نتيجة إدراج جميع الشركات التي تُشطب من البورصة المصرية فيه، ومن المرتقب أن تستمر هذه الزيادة خلال الفترة المقبلة مع إدراج شركات بارزة مثل “الشحن والتفريغ” و”حديد عز”، وذلك بعد إلغاء الشرط السابق الذي كان يقصر الإدراج على مدة ثلاث سنوات فقط.

ويبلغ عدد الشركات المدرجة في سوق الأوامر حتى الآن 20 شركة، يتداول عليها نحو 9.3 مليار سهم، بقيمة سوقية إجمالية تقترب من 165 مليار جنيه.

وقد شهد السوق في 13 مارس 2025 خطوة بارزة بانضمام أسهم شركة “حديد عز”، عقب شطبها من البورصة الرسمية.

اقرأ أيضا: البورصة المصرية تسترد الاتجاه الصاعد بدعم من التهدئة الإقليمية 

ويبلغ عدد أسهم شركة حديد عز المتداولة 542 مليون سهمًا، منها 7.8 مليون سهمًا – أي ما يعادل 1.4% من رأس المال – متاحة للتداول الحر، وهي مملوكة لمساهمين من خارج هيكل المساهم الرئيسي والمجموعة المرتبطة به.

ورغم دور سوق الأوامر كمنصة بديلة للتداول، إلا أن الطبيعة الخاصة لهذا السوق تثير عددًا من التحديات والمخاطر، خاصة في ظل غياب الحدود السعرية المعمول بها في السوق الرئيسي، وارتفاع عدد المساهمين ببعض الشركات إلى عدة آلاف – كما هو الحال في “حديد عز” التي يتجاوز عدد مساهميها 7 آلاف مساهم.

وفى ظل غياب الحدود السعرية فتح الباب أمام تسجيل أوامر بأسعار غير منطقية، إما منخفضة جدًا – مثل 0.001 جنيه – أو مرتفعة بشكل مبالغ فيه – مثل 5000 جنيه للسهم – بهدف استغلال أخطاء المتعاملين الذين يسجلون أوامر بسعر السوق.

وقد أدى ذلك إلى حدوث تذبذبات حادة في أسعار الأسهم المتداولة، وجعل السوق بيئة جاذبة للمضاربين والمستثمرين غير المؤهلين، ووقعت عدة حالات “غريبة” نتيجة أخطاء بشرية في إدخال الأوامر، أبرزها: القفزة غير المنطقية فى أسهم شركة “الدولية للثلج الجاف” بعدما قام أحد المتعاملين فى جلسة 21 أكتوبر الماضي بإدخال أمر شراء 10 آلاف سهم بسعر السوق مما أدى إلى قفزة خيالية في السعر من 5 جنيهات إلى 700 جنيه للسهم، نتيجة وجود أمر بيع بسعر 700 جنيه يحظى بأولوية التنفيذ.

وسبق ذلك حادثة مشبهة فى جلسة 16 أكتوبر الماضي عقب شطب سهم “جينيال تورز” من البورصة وإدراجه بسوق الأوامر، شهد السهم في الجلسة ارتفاعًا من 1 جنيه إلى 16 جنيهًا – أي بنسبة 1600% تقريبًا – نتيجة تنفيذ أوامر بطريقة خاطئة.

وفي 3 فبراير 2025، شهد سهم “لكح” عدة تنفيذات خاطئة تسببت في هبوط السعر من 2.40 جنيه إلى 0.01 جنيه بعد إدخال أحد المتداولين أمر بيع بسعر السوق، ما أتاح لمستثمر آخر شراء 50 ألف سهم بسعر منخفض بلغ 0.21 جنيه فقط.

وتدرس البورصة المصرية مقترحًا جديدًا، يتضمن عدداً من التعديلات الجوهرية على سوق الأوامر، في إطار جهودها لتطوير آليات التداول وتعزيز السيولة، وتوفير بيئة أكثر تنظيماً للأوراق المالية غير المقيدة.

وكشفت مصادر مطلعة لـ«البورصة» أن المقترحات الجاري دراستها تتضمن إدراج جميع الأسهم المودعة مركزياً ضمن السوق، ليصبح بذلك بديلاً لنظام تداول الأوراق المالية غير المقيدة الحالي، ويستهدف هذا التوجه تشجيع التداول على هذه الأوراق، وزيادة السيولة، وجذب المزيد من المستثمرين، فضلاً عن تحفيز الشركات على طرح أسهمها للجمهور.

كما تتضمن المقترحات تنظيم التداول اليومي بحيث يُخصص نصف ساعة فقط للتداول بالسوق يومياً، على أن يُعاد تقييم تلك المدة في ضوء التجربة العملية بعد التطبيق.

وأشارت المصادر إلى أنه لن يتم احتساب سعر فتح أو إقفال، بل سيبدأ التداول كل يوم بناءً على آخر سعر إقفال كسعر مرجعي.

وسيتم أيضًا تطبيق حدود سعرية لا تتجاوز 5% يومياً صعوداً أو هبوطاً، بهدف تقليل التذبذبات الحادة التي يشهدها السوق حالياً، ومع ذلك، سيتم السماح بتنفيذ أي عمليات خارج تلك الحدود السعرية من خلال اللجنة المختصة، بما يمنح مرونة لمعالجة الحالات الاستثنائية.

وأضافت المصادر أن أي عملية تفوق نسبتها 1% من إجمالي أسهم الشركة سيتم عرضها على اللجنة المختصة بالبورصة للمراجعة المسبقة قبل تنفيذها، وذلك لضمان عدم تأثيرها سلباً على استقرار السوق أو استغلالها بشكل مضارب.

المصري: السوق غير خاضع للرقابة ويجب إنهاؤه وليس تطويره

قال ياسر المصري، العضو المنتدب لشركة العربي الأفريقي لتداول الأوراق المالية، إن سوق الأوامر غير مرغوب فيه، بل يستوجب وقفة جدية لإنهائه بالكامل، نظراً لما يتيحه من بيئة خصبة للتلاعبات بسبب ضعف الرقابة.

وأوضح أن هذا السوق مخصص لتداول أسهم شركات مشطوبة فقدت شروط القيد الأساسية، وغالبًا ما تكون نسب التداول الحر فيها متراجعة، ما يجعل الأسهم سهلة التلاعب نظراً لقلة الكميات المتداولة.

وأضاف المصري أن السوق لا يمكن اعتباره سوقًا حقيقياً، بل أقرب إلى “مكتب خلفي” بحسب تعبيره، في ظل غياب الشفافية والانضباط.

وشدد على أن الشركات التي يتم شطبها وتعود للتداول من خلال هذا السوق يجب أن تُعامل كشركات جديدة تماماً عند التقديم للقيد مرة أخرى، وليس العودة من “الباب الخلفي”.

عشماوى: ضرورة إجراء حوار مجتمعى لمناقشة التعديلات الجديدة

ومن جانبه دعا معتز عشماوى العضو المنتدب لشركة عربية أونلاين لتداول الأوراق المالية، ضرورة إجراء حوار مجتمعى لمناقشة التعديلات الجديدة مع المتعاملون فى السوق خلال الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن مقترح إضافة كل الأسهم المودعة مركزيًا فكرة جيدة للغاية ولكن آلية تنفيذها ستكون مختلفة ناهيك عن إجراءات التكويد.

الخضيري: التطبيق الفعلي للمقترحات سيترتب عليه أعباء مالية إضافية على الشركات

قال محمد الخضيري، مدير عمليات خارج المقصورة بشركة “إيجبت استكس” لتداول الأوراق المالية، إن التوجه الجديد في تنظيم عمليات التداول قد يحمل في طياته العديد من الإيجابيات، مشيرًا إلى أن النظام المقترح سيسهم بشكل كبير في تقليص حجم الأوراق المطلوبة في تنفيذ عمليات التداول الخارجي، الأمر الذي من شأنه تبسيط الإجراءات وتسريع الدورة المستندية.

وأوضح الخضيري أن هذه الخطوة ستدعم توسيع دائرة التداول، بما يعزز من معدلات السيولة ويرفع من حجم السيولة داخل السوق.

ورغم ذلك، أكد الخضيري أن الواقع العملي قد يختلف عن الرؤية النظرية؛ إذ إن التطبيق الفعلي لمقترحات الجديدة قد يترتب عليه أعباء مالية إضافية على الشركات، تشمل رسومًا ومصاريف والتزامات ضريبية متزايدة، وهو ما قد ينعكس سلبًا على حركة تداول الأسهم في السوق ويحد من نشاط بعض الشركات.

وشدد على أهمية دراسة التأثيرات الاقتصادية والتشغيلية للمنظومة قبل تطبيقها لضمان تحقيق الأهداف المرجوة دون تحميل الكيانات العاملة في السوق أعباء غير مبررة.

عمار: غياب الحدود السعرية يفتح الباب واسعًا أمام المخالفات

أوضح وائل عمار، مدير الاستثمار بشركة زالدي للاستثمار، أن سوق الأوامر يعاني من فجوات سعرية مبالغ فيها، نتيجة غياب القيود السعرية الفاعلة، وتراجع مستوى الرقابة، ما يفتح المجال أمام مضاربات غير مبررة، خاصة مع الأسهم المهملة والمنسية من قبل المستثمرين.

وأشار عمار إلى أن بعض الأسهم تشهد ارتفاعات أو تراجعات بنسبة تصل إلى 50% في جلسة واحدة دون أية مبررات فنية أو إفصاحات، مما يعكس حتمية فرض حدود سعرية مماثلة لتلك الموجودة في السوق الرئيسي.

وأضاف أن غالبية الأسهم في هذا السوق غير معروفة ولا تحظى بأي اهتمام من المستثمرين أو وسائل الإعلام، ما يزيد من عشوائية التداول ويؤكد غياب الشفافية، مقترحًا دفع الشركات إلى توفيق أوضاعها والعودة للتداول داخل المقصورة الرسمية.

فريج: تمديد ساعات التداول خطوة تقلل التلاعب

قال محمد فريج، رئيس قسم التحليل الفني بشركة حلوان لتداول الأوراق المالية، إن قصر فترة التداول في سوق الأوامر على نصف ساعة فقط يومي الاثنين والأربعاء، يسهم في رفع فرص التلاعب نظراً لضيق الوقت وعدم كفاءة التنفيذ.

وأضاف أن السوق يعاني من ضعف السيولة بسبب تطبيق نظام تسوية T+3، ما يجبر المستثمرين على الانتظار لعدة أيام قبل إمكانية البيع.

واقترح فريج السماح بتداول كامل الجلسة في السوق بدلاً من نصف ساعة فقط، كخطوة للحد من المضاربات السريعة.

كما أشار إلى تجارب بعض الأسواق، مثل السعودية، التي تتيح تداول أسهم شبيهة ولكنها تفرض قيودًا صارمة على المستثمرين من حيث الملاءة المالية والخبرة، مؤكداً أهمية فرض اشتراطات مالية وفنية على المتعاملين لتقليل المخاطر وتحسين كفاءة السوق.

أكد عبدالله فراج، رئيس قسم التحليل الفني بشركة تايكون لتداول الأوراق المالية، أن عدم وجود حدود سعرية في سوق خارج المقصورة يخل بمبدأ العدالة، خاصة عند مقارنة ذلك بالقيود المفروضة على أسهم السوق الرئيسي.

وأوضح فراج أن السوق الحالي يسمح لأسهم متعثرة بتحقيق طفرات سعرية غير منطقية خلال فترات قصيرة، نتيجة لضعف التنظيم والرقابة، واعتبر أن تخصيص جلسة تداول منفصلة لهذا السوق خارج توقيت الجلسة الرسمية، مثل الفترة الصباحية، قد يسهم في تعزيز الرقابة والشفافية.

ودعا إلى فرض رقابة صارمة على منفذي العمليات داخل هذا السوق، بحيث يتم إخضاعه لنفس درجات العقوبة والرقابة المعمول بها في السوق الرئيسي، أو تحويله بالكامل إلى سوق صفقات خارجية يتم التعامل فيها عبر وسطاء دون تسجيل مباشر على الشاشات.

عبدالفتاح: يجب حظر تخارج المساهم الرئيسى لمدة محددة 

طالب عادل عبدالفتاح، رئيس مجلس إدارة شركة ثمار لتداول الأوراق المالية، بفرض حظر على تخارج المساهم الرئيسي لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات من تاريخ قيد الشركة في سوق خارج المقصورة، بهدف الحد من المضاربات غير المشروعة.

وأوضح أن بعض الشركات تنسق مع مضاربين لرفع أسعار الأسهم فور القيد ثم التخارج، وهو ما يؤدي إلى فقدان السوق لمصداقيته، مشيرا إلى أن الحظر سيجعل من القيد في السوق خطوة انتقالية حقيقية نحو الإدراج في السوق الرئيسي، وليس مجرد وسيلة للتخارج السريع.

وأضاف عبدالفتاح أن اقتصار التداول على يومين أسبوعياً مع نظام تسوية T+5 هو وسيلة رقابية فعالة تحد من شدة المضاربات، معتبراً أن تمديد فترة أو عدد جلسات التداول قد تكون له نتائج عكسية على استقرار السوق.

النمر: السوق يفتقر للحوكمة ولا يجب أن يكون موجوداً

أشار إبراهيم النمر، رئيس قسم التحليل الفني بشركة النعيم لتداول الأوراق المالية، إلى أن سوق الأوامر يفتقر لأي تنظيم حقيقي، ويضم شركات لا تلتزم بالحد الأدنى من قواعد الحوكمة والشفافية، ما يجعل من فكرة تطويره غير مجدية في ظل غياب الأساسيات المطلوبة للتداول العادل.

وأكد النمر أن البورصة ترتكز على قواعد الإفصاح والانضباط، وهي أمور غائبة عن هذا السوق، مشددًا على أن الحل الوحيد هو انتقال هذه الشركات إلى السوق الرئيسي بعد استيفاء شروط القيد.

وأضاف أن محاولة تنظيم هذا السوق غير المنضبط بالإجراءات فقط لن تُجدي، لأن السوق نفسه لا يجب أن يكون موجوداً أصلاً، بحسب تعبيره.

فهمي: ضرورة وضع قواعد تنظيمية صارمة وإفصاحات إلزامية

طالب أحمد فهمي، رئيس قسم التحليل الفني بشركة ثري واي لتداول الأوراق المالية، بضرورة وضع قواعد تنظيمية صارمة لسوق الأوامر، خاصة في ظل غياب الإفصاحات المالية الإلزامية لبعض الشركات المقيدة فيه.

وأشار فهمي إلى أن نشر القوائم المالية بشكل دوري يجب أن يكون شرطًا أساسيًا لاستمرار تداول أي شركة، وألا يقتصر الإفصاح على الشركات التي تنفذ صفقات كبرى، مؤكدًا أن الشفافية يجب أن تشمل الجميع.

كما شدد على أهمية تطبيق إجراءات أكثر أماناً للمستثمرين تختلف عن السوق الرئيسي ولكن تؤدي لنفس الغرض، محذرًا من أن غياب التنظيم يحول السوق إلى بيئة خصبة للمضاربات غير المنضبطة.

واقترح فهمي زيادة عدد أيام وساعات التداول داخل السوق، موضحا أن قصر النشاط على يومين فقط ولساعتين يوميًا لا يعكس طبيعة السوق الحقيقي.

كما دعا إلى تطبيق حدود سعرية يومية بنسبة 30% صعودًا أو هبوطًا كحل لضبط التذبذبات دون التأثير سلبًا على السيولة.