
لماذا لا يتعلم العرب من الفرس؟
د. عبد الحق العاني
استوقفتني أكثر من عبارة في كلمة السيد على الخامنئي هذا اليوم. لكني لن أعلق على الجانب السياسي من الكلمة لأن هذا سوف يتدافع العشرات من الخبراء العرب، لبحثه وإن كان أكثر ما سيأتون به اجترار.
بل سوف أعلق على الجانب القانوني الذي ورد في جملة واحدة مفادها أن إيران سوف تقاضي أمريكا أمام محكمة العدل الدولية. وسبق لإيران أن قاضت أمام المحكمة ذاتها وكسبت الدعوى. وإيران تمثل فهما لمواجهة الصراع كتبت فيه منذ ثلاثين عاما وما زلت. وهو أنها تحارب بيد وتقاضي بالأخرى. فليس هناك سبيل ثالث لمواجهة العدوان والطغيان والظلم بعد حمل السلاح ومقاضاة المعتدي بشرعته وأمام محاكمه. ذلك أن دعوى قضائية واحدة تحدث هزة في الدولة المعتدية تتجاوز ألف مؤتمر أو مظاهرة أو مقال أو خطاب. فقد خرجت أكبر مظاهرة في تأريخ بريطانيا المعروف عشية غزو العراق لكن الغزو وقع ودمر العراق وأحتل حتى أصبحنا نسمع اليوم قولا مألوفا عن القواعد الأمريكية في العراق والذي لم أكن أتصور يوما في حياتي السياسية احتمال وقوعه!
لكننا حين باشرنا دعوى فردية عن جريمة غزو العراق استنفرت الحكومة البريطانية كل قواها السياسية والقانونية للرد على الدعوى وجاؤوا برئيس القضاة في بريطانيا ليصدر حكما مهلهلا كان بإمكاننا رده أمام محكمة حقوق الإنسان الأوربية لولا أن عجزنا المالي أقعدنا عن ذلك.
وقد أدرك الإيرانيون بدهائهم المعهود قيمة ذلك. فحتى إذا لم تكن هناك نتيجة مادية للدعوى فقد كان كافيا أن تنتصر أخلاقيا أمام معتد يدعي التفوق الأخلاقي والحضاري في عالم مليء بالنفاق يحتاج لمن يكشف عورته. ذلك لأن المعتدي الصهيوني علينا، وكل عدوان وقع علينا خلال مائة عام كان صهيونيا، اعتاد أن يقول إن الخلاف حول تعريف العدوان هو قضية اختلاف في الرأي السياسي والأخلاقي. لكنه لا يستطيع أن يقول هذا إذا كان هناك حكم قضائي. فالحكم القضائي يبطل مسرحية الاعتداد بالخلاف في وجهة النظر الى حكم قضائي لا يدفعه شيء من التلاعب بالألفاظ والذي لا تتمكن الإنكليزية البائسة حتى من مباشرته!
وقد سبق لي أن كتبت للرئيسين العراقي صدام حسين مرتين وللرئيس السوري بشار الأسد مرة داعيا كلا منهما لمقاضاة الصهيونية ضد جريمة الإبادة المترتبة على الحصار الذي فرض على العراق وسورية. وقد رد على الرئيس صدام حسين عن طريق أحد وكلاء الوزارات ولم يرد علي الرئيس بشار الأسد. وكان الرد الذي نقله لي وكيل الوزارة عن الرئيس صدام حسين انه في الوقت الذي ثمن به دعوتي إلا أنه لم يكن يعتقد بجدواها. وأعتقد أن الرئيس صدام حسين، والذي أكد لي أكثر من واحد من رفاقي البعثيين القدماء أنه مستمع جيد، ما كان ليعطي رأيا في أمر كهذا دون أن يستمع لأحد مستشاريه القانونيين وقد يكون من أعطى الراي القانوني البائس بعدم جدوى المقاضاة هو وكيل الوزارة نفسه الذي نقل لي الرد أو أحد منتسبي الدائرة القانونية البائسة في مجلس قيادة الثورة. وليس هذا مهما، إنما المهم هو أن الراي القانوني ولأسباب مختلفة ليس هذا مكان بحثها، كان بعدم جدوى أي إجراء قانوني ضد المعتدي.
وقد سمعت خلال العشرين عاما المنصرمة ما شابه هذا من عدد من العراقيين ممن كان لا يقدر أن يفهم أو ممن كان لا يريد أن يفهم حتى لا يسأل أن يشارك بقليل من المال لدعم الدعاوى ضد المعتدي، وإن كان ذلك سيأتي من المال الذي انتفع به في العراق أو سرقه من خيرات العراق. وخلاصة الرأي البسيط هو أن المقاضاة لا تنفع لهيمنة الصهيونية على المنظمات والمؤسسات الدولية. وقد أثبتت إيران خطل هذا الرأي وإني على يقين أنها سوف تثبته مرة أخرى. لكن ردي الذي واجهت به وكيل الوزارة الذي نقل لي الراي، الذي أدعى أنه رأي الرئيس العراقي، والذي واجهت به كل من اعترض على جدوى إقامة الدعوى ضد المعتدي هو هو نفسه: إن محكمة العدل الدولية هي أقل المؤسسات والمنظمات الدولية والتي انبثقت عن ميثاق الأمم المتحدة خضوعا للصهيونية، فاذا كان هذا هو الحال ولم تكن هناك جدوى للجوء إليها فلماذا الانتماء لمنظمة الأمم المتحدة نفسها أو ما الذي دعا الدول العربية للتسابق الطوعي في الالتزام باتفاقية نزع السلاح النووي أو الكيماوي أو الحيوي وكلها منبثقة عن ميثاق الأمم المتحدة التي جاءت بمفتشيها ليبحثوا في كل ركن من أرض العرب في الوقت الذي كان العدو يمنعها حتى من الحديث عما يمتلكه بحجة أنه لم يصادق على أي من تلك الاتفاقيات……ولم يرد وكيل لوزارة علي ولم يرد أي عراقي حدثته عن المقاضاة؟
وسؤالي هوانه، وبرغم كل الخلاف الذي يقول به عدد من أصحابي العرب مع إيران، لماذا لا يتعلم العرب شيئا نافعا مما يقوم به الفرس ويقاتلوا في القضاء خصوصا أنهم عجزوا عن القتال في الحرب؟
الكاتب شاعر ومحامي عراقي- بريطاني
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: