نتطلع للتوصل لاتفاق لوقف النار في غزة خلال الأسبوع المقبل

نتطلع للتوصل لاتفاق لوقف النار في غزة خلال الأسبوع المقبل

ضغوط على الحكومة والجيش لكشف خسائر إسرائيل في الحرب على إيران

في ظل تكتم الحكومة وقيادة الجيش على حقيقة الخسائر الإسرائيلية في الحرب مع إيران، أفادت مصادر مطلعة بأن أكثر من 480 مبنى في تل أبيب تعرضت للقصف، من بينها 20 مبنى أُصيبت إصابات مباشرة بالصواريخ، أدَّت إلى تدميرها وجعلها غير صالحة للسكن، كما سُجِّلت أضرار مماثلة في عدد من المدن الأخرى.

هذا الواقع دفع العديد من المواطنين ومسؤولين محليين، من بينهم رئيس بلدية تل أبيب، رون خولدائي، ورئيس بلدية حيفا، يونا ياهف، وكلاهما ضابطان كبيران متقاعدان، إلى المطالبة بإخراج المقرات العسكرية من داخل المدن.

نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي «القبة الحديدية» يطلق النار لاعتراض الصواريخ الإيرانية فوق تل أبيب (أ.ب)

وذكرت «القناة 13» الإسرائيلية أن هناك «عدداً كبيراً من الإصابات التي لحقت بقواعد الجيش والمنشآت الاستراتيجية الإسرائيلية جرّاء الصواريخ الإيرانية، لم يتم الإفصاح عنها حتى الآن». وأضافت القناة أن «الإسرائيليين لم يفهموا بعد مدى دقة الضربات الإيرانية، وحجم الأضرار التي لحقت بالعديد من المواقع». وأشارت إلى أن استهداف معهد وايزمان للعلوم كان معروفاً على نطاق واسع، لكن لا تزال هناك مواقع عديدة لم يُكشف عنها حتى اللحظة.

وكانت الرقابة العسكرية الإسرائيلية قد فرضت تعتيماً إعلامياً صارماً، حظرت بموجبه على وسائل الإعلام التقليدية ومواقع التواصل الاجتماعي نشر أي معلومات أو صور أو مقاطع فيديو تتعلّق بأماكن سقوط الصواريخ الإيرانية أو حجم الأضرار التي خلفتها، وذلك خلال الحرب التي أطلقتها إسرائيل في 13 يونيو (حزيران) الحالي، واستمرت 12 يوماً.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدث أمام مجمع سوروكا الطبي في بئر السبع الذي تعرض لقصف إيراني يوم الخميس (إ.ب.أ)

وخلال هذه الفترة، ردّت القوات المسلحة الإيرانية بموجات صاروخية مكثفة، استخدمت فيها صواريخ باليستية فائقة السرعة وموجهة بدقة نحو أهداف داخل إسرائيل. وبعد مرور أسبوع أيام على وقف إطلاق النار، الذي أُعلن عنه ودخل حيّز التنفيذ في 24 يونيو، بوساطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بدأ المواطنون الإسرائيليون يُعبرون عن قلقهم إزاء الخسائر الفعلية، منتقدين الحكومة وقيادة الجيش التي لا تزال تتحدّث فقط عن «الانتصار»، متجاهلة ما جرى على الأرض.

في السياق ذاته، عرضت قناة «آي 24 نيوز» تقريراً تناول شهادات عدد من السكان المقيمين في محيط وزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش الإسرائيلي؛ حيث أعربوا عن خيبة أملهم، مشيرين إلى أنهم اختاروا شراء منازل باهظة الثمن في هذه المنطقة لما كانت توفره من شعور بالأمان، لكن الحرب الأخيرة كشفت أنه «لا يوجد مكان آمن في إسرائيل على الإطلاق».

وصرح محامٍ يخدم في جيش الاحتياط، قائلاً: «الجميع يعلم أن إيران تلقّت ضربات قاسية خلال هذه الحرب نتيجة القصف الإسرائيلي. وليس لديَّ شك في أننا ألحقنا أضراراً جسيمة بمشروعها النووي وبرنامج تطوير الصواريخ، نعم، ليست إبادة تامة كما يدعي بعض القادة، لكنها ضربات مدمرة. ومع ذلك، يجب قول الحقيقة بشأن ما ألحقه الإيرانيون بنا من أضرار، فقد أصابوا العديد من المواقع بدقة، وكان الثمن باهظاً. وعلى قادتنا أن يكونوا صريحين معنا بشأن ذلك».

وكانت طهران قد أعلنت أن عدد القتلى في صفوفها تجاوز 935 شخصاً، وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده «لا تخفي خسائرها».

في المقابل، صرحت إسرائيل بأن عدد القتلى المدنيين لديها بلغ 29 شخصاً، وأن عدد المصابين تجاوز 1300. إلا أن تقارير غير رسمية تحدّثت عن مقتل ما لا يقل عن 200 إسرائيلي، وسط صمت رسمي إسرائيلي بشأن حجم الخسائر العسكرية؛ حيث لم تُعلن تل أبيب عن استهداف منشآت عسكرية أو مقتل جنود، ولم تعترف بإسقاط طائرات مسيّرة أو مقاتلات من طراز «إف 35»، كما زعمت إيران.

قوات أمن إسرائيلية وفرق إنقاذ في موقع غارة إيرانية استهدفت تل أبيب في إسرائيل (أ.ف.ب)

واستثنت إسرائيل من ذلك حالة واحدة، أقرّت فيها بسقوط طائرة مسيّرة يُرجح أنها من طراز حديث يُستخدم في الجيش، بالإضافة إلى طائرة أخرى سرية من طراز «سبارك»، تابعة للجيش الإسرائيلي، وذلك بعد أن عرضت إيران صوراً للطائرتين.

وعموماً، ساد المشهد الإعلامي نوعٌ من الحرب النفسية، إذ حرص كل طرف على تضخيم حجم الخسائر في صفوف الخصم، دون تقديم صورة شفافة عن الخسائر التي تكبدها فعلياً.

وفي مؤشر جديد على حجم الخسائر العسكرية غير المعلنة، تقدَّم الجيش الإسرائيلي بطلب تعويض مالي بقيمة 60 مليار شيقل (نحو 18 مليار دولار) علاوةً إضافية على موازنته الضخمة المقررة، وذلك لتغطية الأضرار التي لحقت به خلال الحرب ضد إيران وغزة. ويُعد هذا الرقم كبيراً بما يكفي ليعكس حجم الخسائر الفعلية التي تعرّض لها الجيش، والتي تبدو أكبر بكثير مما تم الإفصاح عنه رسمياً.

ومع ذلك، رفضت وزارة المالية الإسرائيلية تلبية هذا الطلب، متهمة الجيش بـ«التبذير والمبالغة».

وحسب مصادر عسكرية ومسؤولين في وزارة الدفاع، فإن وزارة المالية تُعرقل عمليات تجديد المخزونات والمشتريات العاجلة، بما في ذلك صواريخ «حيتس» التي «شارفت على النفاد»، ومئات المركبات من طراز «هامر» التي يُستخدم معظمها في العمليات العسكرية الجارية في غزة.

وأضافت المصادر أن وزارة المالية لا تعارض فقط صرف العلاوة التي طلبها الجيش، بل أوقفت أيضاً ميزانيات كانت قد أُقرت مسبقاً ضمن لجنة «نيغل» المشتركة بين وزارتي الدفاع والمالية، والمُكلّفة بوضع ميزانية الجيش للسنوات المقبلة.

ويُعد من أبرز أسباب اعتراض وزارة المالية ما وصفته بـ«التجاوز الكبير في تكلفة أيام الخدمة الاحتياطية»، التي بلغت هذا العام نحو 1.2 مليار شيقل شهرياً.

عناصر من قوات الأمن الإسرائيلية قرب أنقاض مبنى دمرته غارة إيرانية في منطقة رامات أفيف بتل أبيب يوم الأحد (أ.ف.ب)

وفي هذا السياق، قال مسؤولون كبار في جهاز الأمن: «ما العمل حين تتطلب الظروف تعبئة احتياط تفوق ما هو مخطط له؟ الخطوة البرية في غزة لم تكن مدرجة في الخطة الأصلية، وجرى تجنيد أعداد كبيرة من قوات الاحتياط بشكل مفاجئ، لتتبعها الحرب مع إيران التي استدعت تعبئة مفاجئة لألوية احتياط إضافية. وحدها قيادة الجبهة الداخلية استعانت بما بين 30 و40 ألف جندي احتياط، جميعهم يتلقون الأجور نفسها التي يتقاضونها في حياتهم المدنية».

وشدَّدت مصادر أمنية رفيعة على أن «شيئاً من هذه التطورات لم يكن مفاجئاً»، مؤكدة أن مسؤولي وزارة المالية، وفي مقدمتهم الوزير بتسلئيل سموتريتش، كانوا على علم مسبق بالخطوات التي كانت تُحضّر ضد إيران، وبالأعباء الاقتصادية الضخمة التي تترتب عليها.