هل أصبح لقاء القمة بين الشرع ونتنياهو قريبا جدا بعد رفع العقوبات عن سورية.. ومتى؟ وما هي فرص النجاح والفشل؟

هل أصبح لقاء القمة بين الشرع ونتنياهو قريبا جدا بعد رفع العقوبات عن سورية.. ومتى؟ وما هي فرص النجاح والفشل؟

هل أصبح لقاء القمة بين الشرع ونتنياهو قريبا جدا بعد رفع العقوبات عن سورية.. ومتى؟ وما هي فرص النجاح والفشل؟

 

عبد الباري عطوان

في مطلع التسعينات من القرن الماضي روجت أوساط في منظمة التحرير، التي كانت تتفاوض في السر للتوصل الى اتفاق أوسلو، لأنباء تقول ان سورية على وشك توقيع اتفاق سلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي على غرار اتفاقات كامب ديفيد، والهدف هو تحريض الشعب الفلسطيني ضد سورية ورئيسها حافظ الأسد في حينها الذي لم يكن “محبوبا” بين بعض الأوساط الفلسطينية بعد مواجهات لبنان، وخروج المنظمة الى تونس، بهدف توقيع الاتفاقات الخيانية التي كانت تطبخ على نار هادئة في دهاليز العاصمة النرويجية الباردة.
في ذلك الوقت هاتفني السفير السوري في لندن السيد محمد خضر ودعاني الى فنجان قهوة في مطعم مجاور للسفارة، وكنت في حينها رئيسا لتحرير صحيفة “القدس العربي”، وقال لي بالحرف الواحد، انا أخاطبك ليس بصفتي سفيرا، وانما كمواطن عربي سوري يتمتع بعلاقاته الوثيقة الشخصية، والعائلية مع الرئيس حافظ الأسد، اسمع يا ابني اريد ان أؤكد لك، ان عائلة الأسد ممثلة بالأب حافظ، او حتى من يخلفه من أبنائه، لن يوقعوا أي اتفاق سلام، او تطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي حتى لو انسحبت من كل هضبة الجولان، وستثبت لك الأيام دقة ما أقوله، وسأذكرك اذا طال بي العمر”.

***

تذكرت اليوم السفير محمد خضر ولقاءه، ولا اعراف أين انتهت به الأقدار، وما اذا كان على قيد الحياة ام لا، وقد كرر لي الكلام نفسه الرئيس بشار الأسد عندما التقيته في منزله في دمشق في أيار (مايو) عام 2023، اثناء دعوتي لإلقاء محاضرة في مدرج جامعة دمشق بمناسبة الاحتفالات بالذكرى المئوية لتأسيسها، تذكرت الاثنين بمناسبة إصدار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارا برفع جميع العقوبات والحصار الذي فرضته بلاده على سورية عام 2004، بطلب من قيادة المملكة العربية السعودية والرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
هذا القرار الأمريكي غير المفاجئ جاء تمهيدا للقمة المنتظرة بين الرئيس السوري “المؤقت” أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) وبنيامين نتنياهو التي ستعقد ربما في الأسابيع القليلة القادمة للاحتفال بإتفاق السلام الإبراهيمي بين سورية ودولة الاحتلال في إطار عملية إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد بزعامة إسرائيل طبعا مثلما أكد هذه الحقيقة وتباها بها نتنياهو في اكثر من مناسبة أخيرا.
خريطة الشرق الأوسط الجديد تبدأ، وحسب تسريبات أصحابها، بالتطبيع السوري الإسرائيلي، وبناء علاقات تحالفية إسرائيلية تركية تقود المنطقة، فالسيد الشرع يعطي أولوية قصوى لرفع الحصار عن بلاده، ولا يهتم كثيرا او قليلا بما يجري في قطاع غزة، ولم نسمعه يدين قتل الأطفال والنساء، وحسب اقوال نسبت للحاخام “ابراهام كوبر” الملقب بحاخام السلام الابراهيمي، وصديق المطبعين العرب، الذي اجتمع بالرئيس الشرع اكثر من ساعتين في دمشق قبل أيام، وأكد ان مفاجأة العام الممثلة في لقاء القمة بين الشرع ونتنياهو الذي يشرف ترامب شخصيا على ترتيبه بات وشيكا جدا، ويلعب توم باراك السفير الأمريكي في انقرة ومبعوث أمريكا الخاص الى سورية دورا “لوجستيا” كبيرا في هذا المضمار.
اتفاق “السلام” الوشيك والمفترض بين سورية الجديدة وإسرائيل القديمة، سيكون أمنيا بالدرجة الأولى في البداية، وترجمة لكل المطالب الإسرائيلية، وأبرزها التدخل عسكريا في الأرضي السورية في أي وقت، دون أي قيود في حال كان هناك خطرا على أمن إسرائيل، وهو البند الذي تجسد في اتفاق وقف اطلاق النار في لبنان، وشّرع الغارات الإسرائيلية وعمليات الاغتيال لعناصر “حزب الله” وقصف الضاحية الجنوبية، ومعظم المدن والقرى اللبنانية، بذريعة وجود عناصر للحزب، وكان هذا البند، بل الاتفاق نفسه، خطيئة تاريخية.
أي انسحاب إسرائيلي وفق الاتفاق المنتظر لن يشمل هضبة الجولان التي تصر الحكومة الإسرائيلية انها باتت أراض إسرائيلية وليست مدرجة على مائدة المفاوضات مطلقا، وفي أفضل الأحوال قد يكون هناك انسحاب “مسرحي” من المناطق العازلة التي استولت عليها القوات الإسرائيلية بعد إطاحة نظام الأسد في الجنوب السوري مثل درعا، وجبل الشيخ، والقنيطرة.
الخلاف التركي الأمريكي “المصطنع” حول حصول انقرة على طائرة “الشبح (اف 35) الامريكية ستتم تسويته قريبا حسب وعود السفير باراك، وبما يؤدي الى حلف تركي إسرائيلي تكون له اليد العليا في الشرق الأوسط الجديد، وضد ايران على وجه الخصوص، التي قد تتعرض لعدوان امريكي إسرائيلي ثان لتدميرها وتغير النظام فيها في الأيام والاسابيع المقبلة لترميم الهزيمة الإسرائيلية الامريكية.
هذه السيناريوهات الامريكية الإسرائيلية لإعادة تغيير معادلات القوة ووضع خريطة جديدة للشرق الأوسط، قد تبدو على الورق مبهرة بالنسبة لمؤيدي حرب الإبادة في غزة ولبنان واليمن، خاصة في العالمين العربي والإسلامي، ولكن وضع السيناريوهات على الورق شيء، وتطبيقها عمليا شيء آخر، والمفاجآت المضادة واردة بقوة.
فمن كان يتصور ان تصمد المقاومة في قطاع غزة اكثر من 600 يوم، ويفشل نتنياهو في تحقيق جميع أهدافه من وراء حرب الإبادة وأبرزها التهجير والقضاء على “حماس” والجهاد الإسلامي، وتحقيق النصر المطلق؟ ومن كان يحلم ان العدوان الأمريكي الإسرائيلي على ايران سيستمر 12 يوما دون استسلام القيادة الإيرانية في الساعات الاولى، وتغيير النظام، واغتيال السيد علي خامنئي المرشد الأعلى، وتدمير المنشآت النووية الثلاث كليا، والأهم من ذلك وصول الصواريخ الإيرانية المباركة الى تل ابيب وحيفا وبئر السبع وعسقلان واسدود وصفد، وتدمير معظم مبانيها وناطحات سحابها، وتحويلها الى مدن أشباح بعد لجوء 7 ملايين مستوطن الى الملاجئ والانفاق ليل نهار طوال أيام الحرب، وهروب دون رجعه اكثر من مليونين الى أوروبا وامريكا من قبرص او شرم الشيخ، لإغلاق مطار اللد (بن غوريون) وخروجه عن الخدمة.

***

الشعب العربي السوري العظيم الذي يملك إرثا مشرفا في مقاومة الهيمنة الاستعمارية الغربية، وخاض أربع حروب قدم خلالها آلاف الشهداء ضد المشروع الصهيوني لن يقبل بـ”الرشوة” الامريكية المسمومة ويوافق على التطبيع، وهو الذي رفضه طوال 13 عاما من الحصار والحروب والجوع تحت شعارات كاذبة مزورة بالديمقراطية، وحقوق الانسان، ومحاربة الاستبداد، ويرى نتائج واضحة مثل الشمس امامه بعد ان هدأ الغبار وظهرت الحقائق.
زمن كامب ديفيد واوسلو، واتفاقات التطبيع الابراهيمية، ورصد التريليونات، لدعم المشروع الأمريكي لتغيير الأنظمة الوطنية المعادية له، تحت عناوين حقوق الانسان، والديمقراطية والحريات التي نراها بكل وضوح في أبشع صورها في قطاع غزة، والأخطر من ذلك رصد تريليونات الدولارات من اموال الأجيال الحالية والقادمة لمكافأة الجزارين أدوات حرب الإبادة والتجويع والتطهير العرقي، هذا الزمن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ونهايته قادمة حتما، ونقولها للمرة الالف، “قد يأتي الخير من باطن الشر الأمريكي”.
عارضنا كامب ديفيد، واتفاقات وادي عربة، مثلما عارضنا أوسلو وكل اتفاقات ابراهام التطبيعية، وسنظل دائما في خندق الثوابت العربية والإسلامية، وعنوانه الأبرز المقاومة للاحتلال وداعميه، ولن نتردد لحظة في اتخاذ الموقف نفسه ضد وقوع سورية الكبرى في هذه المصيدة التطبيعية.. والأيام بيننا.

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: