“فورين بوليسى”: المعادن النادرة سلاح بكين القوى فى حربها التجارية مع واشنطن – وطني

“فورين بوليسى”: المعادن النادرة سلاح بكين القوى فى حربها التجارية مع واشنطن – وطني

ذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن المحادثات التجارية المتوترة بين الولايات المتحدة والصين، والمستمرة منذ أشهر، كشفت مدى اعتماد الولايات المتحدة على الصين في الحصول على المعادن النادرة، تلك المواد الخام المهمة التي تشكل أساس التقنيات، من الطائرات المقاتلة إلى توربينات الرياح.

وأوضحت المجلة أن واشنطن وبكين تخوضان حربا تجارية مريرة منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية شاملة على معظم دول العالم في أبريل الماضي، ما أدى في مرحلة ما إلى رفع الرسوم الجمركية على الصين إلى نسبة مذهلة بلغت 145%، وهو ما ردت عليه الصين بتسليط الضوء على إحدى نقاط ضعف واشنطن الرئيسية، وهي: المعادن النادرة.

فإلى جانب إجراءات مضادة أخرى، كشفت بكين عن قيود جديدة على الصادرات تستهدف بشكل كبير المعادن النادرة الثقيلة، مستغلة هيمنتها على سلاسل توريد المعادن النادرة في العالم، حيث تسيطر الشركات الصينية على حوالي 85% من معالجة المعادن النادرة، و92% من إنتاج المغناطيس.

وفي هذا الصدد، قالت آشلي زوموالت-فوربس، نائبة المدير المسؤول عن شؤون البطاريات والمعادن الأساسية بوزارة الطاقة الأمريكية في عهد إدارة الرئيس السابق جو بايدن، إن المعادن النادرة والمعادن الأساسية “برزت كنقطة ضعف للولايات المتحدة في مناقشات التجارة الأمريكية الصينية.. لا يمكن بأي حال التقليل من أهمية هذه المعادن”.

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أنه قبل تولي الرئيس ترامب منصبه هذا العام، كانت بكين قد حظرت بالفعل تصدير التقنيات المستخدمة في إنتاج واستخراج وفصل مغناطيسات المعادن النادرة. إلا أن الإجراءات المضادة الأخيرة التي اتخذتها الصين حيث شددت من إجراءاتها الخاصة بتصدير هذه المعادن، أثارت غضب المصنعين الأمريكيين، ودفعت إلى عقد جولتين من المحادثات رفيعة المستوى بين المفاوضين الأمريكيين والصينيين، انتهت بتأكيد وزارة التجارة الصينية الأسبوع الماضي أنها ستوافق على طلبات تصدير المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة، وأن واشنطن في المقابل “ستلغي سلسلة من الإجراءات التقييدية التي اتخذتها ضد الصين”.

وتؤكد غريسلين باسكاران، الخبيرة في أمن المعادن الحيوية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن المعادن النادرة أصبحت “الأداة الأقوى” للصين في المفاوضات، وأن الولايات المتحدة بحاجة إلى الوصول إلى المعادن النادرة، وهي مستعدة للتفاوض من أجلها”.

وأوضحت باسكاران أن هناك نوعين من المعادن النادرة: الخفيفة والثقيلة، وأن الصين تهيمن بشكل خاص على فصل المعادن النادرة الثقيلة، مما يجعل قيود التصدير الأخيرة التي فرضتها بكين – والتي استهدفت في الغالب المعادن النادرة الثقيلة – مؤلمة بشكل خاص للولايات المتحدة، خاصة وأن واشنطن ليس لديها مصادر بديلة للمعادن النادرة الثقيلة.

وتجدر هنا الإشارة إلى أنه على الرغم من اسمها، إلا أن المعادن النادرة ليست نادرة في الواقع، حيث إنها متوفرة في قشرة الأرض، ولكن معالجتها هي ما يمثل صعوبة وتحديا كبيرين.

وتعتبر هذه المعادن عنصرا أساسيا في العديد من التقنيات المتقدمة في العالم من أنظمة الأسلحة المتطورة إلى البنية التحتية للطاقة الخضراء. فعلى سبيل المثال، تبنى كل طائرة مقاتلة من طراز F-35 بأكثر من 900 رطل من المعادن النادرة؛ ويستخدم أكثر من 1000 رطل من هذه المعادن في بناء توربينات الرياح. كما أنها تستخدم في أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، وفي علاج السرطان؛ وفي الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة؛ وفي الرقائق الإلكترونية.

ولفتت غريسلين باسكاران، الخبيرة في أمن المعادن الحيوية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أن واشنطن لم تكن دائما عرضة لسيطرة بكين على سلاسل توريد المعادن النادرة، حيث إن الولايات المتحدة كانت في يوم من الأيام أكبر منتج للمعادن النادرة. لكن صناعة التعدين المحلية الأمريكية شهدت تحولا منذ عقود مع تنامي المخاوف البيئية ومعاناة العديد من الشركات من ضائقة مالية. لذا، بدأ المشرعون الأمريكيون ينظرون إلى التعدين كقطاع يمكن الاستعانة بمصادر خارجية من دول أخرى لتغطية الاحتياجات منه. وفي عام 1996، أغلق الكونجرس مكتب المناجم الأمريكي.

ومع ابتعاد الولايات المتحدة، ضاعفت الصين جهودها، وضخت بكين لعقود رؤوس أموال وموارد هائلة في جهود البحث والبنية التحتية لهذه الصناعة، مما منحها سيطرة راسخة على سوق المعروض اليوم، ومكنها من التأثير على الأسعار العالمية، وجعل المنافسة صعبة للغاية على أي جهة أخرى.

وتاريخيا، استخدمت الصين معادنها الأرضية النادرة كسلاح في خلافات جيوسياسية سابقة، لا سيما عندما أوقفت صادراتها إلى اليابان لفترة وجيزة عام 2010. وقد أثارت هذه الخطوة صدمة في طوكيو، التي سارعت إلى تقليص اعتمادها على بكين. لكن البيت الأبيض لم يتخذ حينها الخطوات نفسها.

وشددت “فورين بوليسي” على أن المشرعين الأمريكيين أصبحوا منتبهين الآن لهذا الأمر. وتجلى ذلك في أن المعادن الأرضية النادرة والمعادن الأساسية كانت أولوية لكل من إدارة ترامب الأولى وإدارة بايدن، حيث سخرت إدارة بايدن قانون خفض التضخم لتشجيع الإنتاج المحلي لهذه المعادن.

كما برز هذا الأمر مجددا كأحد محاور التركيز في ولاية ترامب الثانية، حيث استخدم الرئيس المعادن الأساسية مبررا لإعلان حالة طوارئ وطنية في مجال الطاقة في أول يوم له في منصبه. ولعب سعي ترامب لتعزيز أمن سلسلة توريد المعادن الأمريكية دورا رئيسيا في نهج إدارته تجاه كل من أوكرانيا، وجرينلاند، وحتى كندا. وأفادت تقارير إعلامية مؤخرا أن الرئيس الأمريكي يدرس أيضا استخدام سلطات حقبة الحرب الباردة لتشغيل مشاريع المعادن الأرضية النادرة.

وعلاوة على ما سبق، قدم المشرعون الأمريكيون من كلا الحزبين في الأشهر الأخيرة تشريعات، بما في ذلك قانون أمن مغناطيسات المعادن النادرة وقانون أمن المعادن الأساسية، بهدف تنشيط الصناعة المحلية الأمريكية وتنويعها بعيدا عن بكين.

ومع ذلك، ورغم كل الجهود المبذولة لبناء سلاسل توريد جديدة، إلا أن المحللين يرون أن الصين ستتمكن على الأرجح من مواصلة الاستفادة من قوتها في المستقبل القريب، حيث قد يستغرق الأمر سنوات لتصميم سلاسل توريد جديدة لتعدين ومعالجة المعادن الأساسية، وأن الولايات المتحدة ستظل معتمدة إلى حد ما على الإنتاج الصيني لفترة من الزمن.

وعليه، وبلا شك، فإن المعادن النادرة ستظل ورقة تفاوض قوية يمكن لبكين استخدامها في المفاوضات التجارية، حيث إنه من الناحية الواقعية، لا تستطيع الولايات المتحدة ببساطة فتح الصنبور والبدء في إنتاج المزيد من المعادن الأرضية النادرة.

المصدر:
وكالة أنباء الشرق الأوسط