
الأردن وعلاقته مع الكيان الصهيوني: إلى متى الصمت؟
د. معن علي المقابلة
منذ توقيع معاهدة وادي عربة عام 1994، تعاملت الدولة الأردنية مع هذه المعاهدة على أنها خيار استراتيجي لا رجعة فيه، وكرّست ذلك عبر سياسات حكومية متعاقبة لم تخرج عن هذا المسار، مما يدل بوضوح أنها سياسة نظام وليست مجرد توجهات حكومية ظرفية.
بل وذهبت الحكومات المتتالية إلى ما هو أبعد من الاتفاقية الأصلية، فعقدت اتفاقيات جديدة مع الكيان الصهيوني، طالت ملفات حساسة تمسّ الأمن الاقتصادي والمائي والطاقة، أبرزها اتفاقية الغاز، التي جاءت بشروط مجحفة بحق الأردن، واتفاقية “الكهرباء مقابل الماء”، رغم المعارضة الشعبية الواسعة لهما.
وفي الوقت الذي تتشبث فيه الدولة بهذه العلاقة، نشهد في الجهة المقابلة تحولاً خطيراً داخل الكيان الصهيوني نفسه، حيث بات اليمين المتطرف يهيمن على القرار السياسي بشكل شبه كامل.
فحزب العمل الذي قاد غالبية الحكومات الصهيونية منذ نشأة الكيان، لم يحصل في الانتخابات الأخيرة إلا على أربعة مقاعد، في مؤشر واضح على تغيّر البوصلة السياسية داخل هذا الكيان، لصالح تيارات لا تُخفي مطامعها التوسعية، بل تعلنها صراحة في تصريحات متكررة لوزراء أمثال إيتمار بن غفير وبتسليئيل سموتريتش، والذين تحدثوا مراراً عن الوطن البديل، وعن أطماعهم في أراضٍ أردنية شرقية.
وما يزيد القلق أن الجيش الإسرائيلي أعلن مؤخراً عن تشكيل “فرقة جلعاد” ونشرها قرب الحدود مع الأردن، في خطوة لا يمكن قراءتها إلا باعتبارها تحولاً في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، تعيد الجبهة الشرقية إلى الواجهة، بعد أن كانت خارج الحسابات الأمنية لعقود طويلة بفعل معاهدة السلام.
كل هذه المؤشرات الخطيرة، تقابل من الجانب الأردني الرسمي بصمت مقلق، وخطاب دبلوماسي تقليدي لم يعد مقنعاً لأحد. بل على العكس، نلاحظ في الداخل الأردني توجهاً لتقييد الحريات، ومنع المسيرات المناصرة للمقاومة في غزة، وملاحقة الناشطين، والتضييق على الأحزاب والقوى الوطنية، وفي مقدمتها حزب جبهة العمل الإسلامي.
إننا، وبكل وضوح، أمام سياسة لم تعد مفهومة. فبدلاً من تعزيز الجبهة الداخلية لمواجهة أي تهديد خارجي محتمل، يتم إضعاف الداخل وتهميش القوى السياسية والشعبية التي لطالما شكّلت صمام أمان وطني في اللحظات الحرجة.
لقد آن الأوان لمراجعة حقيقية لهذه العلاقة المختلة، التي لم تجلب للأردن إلا التبعية والحرج، في حين لا يتردد الكيان في تهديد أمننا والتطاول على سيادتنا.
إن الحفاظ على أمن الأردن واستقراره يبدأ من الداخل، من احتضان قواه الوطنية، والانفتاح على شعبه، ومن اتخاذ موقف حازم وواضح تجاه كيانٍ لم يعُد يُخفي نواياه العدائية.
باحث وناشط سياسي/ الاردن
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: