
حصر السلاح يلفه الضباب.. مبعوث الإدارة الأمريكية يغادر لبنان بلا اختراقات جوهرية ويترك خيارين يتيمين على الطاولة
بيروت/ وسيم سيف الدين/ الأناضول- دون تحقيق أي اختراق فعلي انتهت الثلاثاء زيارة المبعوث الرئاسي الأمريكي توماس باراك الثانية إلى العاصمة اللبنانية بيروت.
فلم تُصدّق بيروت على ورقة مقترحات أمريكية سلّمها باراك، في 19 يونيو/ حزيران الماضي، وتتضمن نزع سلاح “حزب الله”.
وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل بدعم أمريكي عدوانا على لبنان تحول في 23 سبتمبر/ أيلول 2024 إلى حرب واسعة، أسفرت عن أكثر من 4 آلاف شهيد ونحو 17 ألف جريح.
ومنذ انتهاء الحرب، تتزايد الضغوط الأمريكية على بيروت لنزع سلاح “حزب الله”، وهو أبرز مطلب في ورقة باراك، الذي زار بيروت الاثنين والثلاثاء.
وعوضا عن التصديق على الورقة، قدّمت بيروت “أفكارا للحل”، سترد عليها واشنطن لاحقا، وبقي الموقف اللبناني الرسمي ضبابيا تجاه الورقة الأمريكية.
والاثنين، عبّر باراك عن “امتنانه ورضاه” عن الرد اللبناني على الورقة الأمريكية.
ولم يتضمن هذا الرد، وفق مراسل الأناضول، التزاما واضحا حول كيفية حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية شمال نهر الليطاني (جنوبي لبنان) ضمن برنامج زمني.
وجاء ذلك بعد أن أعلن الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم، عبر خطاب في احتفالية عاشوراء، أن حزبه لن يستجيب لدعوات تسليم سلاحه قبل رحيل “العدوان” الإسرائيلي عن لبنان.
وفي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بدأ سريان اتفاق لوقف لإطلاق النار بين “حزب الله” وإسرائيل، لكن تل أبيب خرقته أكثر من 3 آلاف مرة، ما أسفر عما لا يقل عن 235 شهيدا و534 جريحا، وفق بيانات رسمية.
ومتحديا الاتفاق، يواصل الجيش الإسرائيلي احتلال 5 تلال لبنانية في الجنوب سيطر عليها خلال الحرب الأخيرة، إضافة إلى مناطق أخرى يحتلها منذ عقود.
وتسلّم باراك رد بيروت خلال جولته على مسؤولين لبنانيين، الاثنين، بدءا برئيس الجمهورية جوزاف عون في قصر بعبدا.
وأعلنت الرئاسة، في بيان، أن الرئيس عون سلّم باراك “أفكارا لبنانية لحل شامل”.
أما رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي التقى باراك لأكثر من ساعة، فاعتبر أن الاجتماع “جيد وبناء، وآخذ بحرص كبير مصلحة لبنان وسيادته وهواجس اللبنانيين كافة، وكذلك مطالب حزب الله”.
فيما شدد رئيس الحكومة نواف سلام على أن “الخطوات يجب أن تكون متلازمة بين انسحاب إسرائيل وحصر السلاح”.
وأكد ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية، ووقف كامل للأعمال العدائية، وبدء عملية إعادة الإعمار، والإفراج عن الأسرى.
** نافذة للتفاوض
مصدر لبناني مطّلع على مضمون الاجتماعات قال للأناضول إن “زيارة ولقاءات باراك فتحت نافذة لمزيد من المفاوضات، ولبنان سلّم الرد، والموفد الأمريكي رحب به”.
وأضاف المصدر، مفضلا عدم كشف هويته، أن “الرد اللبناني لا يزال في إطار تبادل الأفكار، ولم يُطرح بعد على طاولة مجلس الوزراء لإقراره، كما لم يُحدد أي جدول زمني للتفاوض النهائي حوله”.
وقد “وعد الجانب الأمريكي بدراسة الرد والعودة بملاحظات إضافية في وقت لاحق”، حسب المصدر.
** أنصاف الحلول
“الهدوء الدبلوماسي الذي أظهره باراك لا يعكس حقيقة الموقف الأمريكي”.. هكذا بدأ الكاتب والمحلل السياسي يوسف دياب حديثه للأناضول.
وشدد على أن “الولايات المتحدة لا تزال متمسكة بمطلب نزع سلاح حزب الله وكل المجموعات المسلحة غير الشرعية”.
واعتبر أن “غياب أي جدول زمني في الرد اللبناني سيُضعف موقف بيروت، ويمنح تل أبيب فرصة للتصعيد”.
دياب تابع أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “قد يبني موقفا حازما جديدا استنادا إلى الموقف اللبناني”.
واستقبل ترامب في البيت الأبيض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يزور واشنطن من الأحد إلى غد الخميس.
وأردف دياب: “مصادري تقول سمعنا ما قاله باراك وهو دبلوماسي مخضرم، ولكنه لا يعني هذا أن الإدارة الأمريكية متساهلة مع لبنان فيما يخص موضوع السلاح ونزعه، فهذه المسألة أساسية جدا”.
وشدد على أن “هناك خوف كبير من أن ينعكس الأمر سلبا على لبنان، بسبب عدم تضمن الجواب اللبناني جدول زمني لنزع السلاح من حزب الله وفصائل فلسطينية، وترك الأمور ضبابية”.
دياب أعرب عن تخوفه من “الانعكاس السلبي للموقف الأمريكي، حيث سيخضع (الرد اللبناني) لدراسة ومناقشات الإدارة الأمريكية”.
واستطرد: “كما سيعرض على الإسرائيليين الذي يبدو أنهم لا يوافقون على أنصاف الحلول، ويريدون قرارا حاسما بأن يُنزع السلاح من حزب الله، وإلا سيعود التصعيد على نطاق واسع في لبنان”.
** بلا ضمانات أمنية
أما الكاتب السياسي غسان ريفي فرأى أن “المبعوث الأمريكي بدا أكثر براغماتية من كثير من السياسيين اللبنانيين، الذين سارعوا إلى رسم سيناريوهات سلبية قبل وصوله”.
وأضاف ريفي للأناضول أن “باراك وصف الرد اللبناني بأنه إيجابي وبنّاء، وشدد على أن قضية السلاح شأن داخلي، وعلى اللبنانيين أن يجدوا الصيغة المناسبة لمعالجته”.
لكن ريفي حذر من أن “الجانب الأمريكي لم يقدم أي التزام بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، ما يثير قلقا مشروعا لدى اللبنانيين بشأن النوايا الحقيقية خلف الطرح الأمريكي”.
واعتبر أنه “من الطبيعي أن لا تكون هناك ثقة كبيرة بأمريكا وإسرائيل، وخاصة أن باراك تحدث عن تنازلات مفروضة موجبة من الجانب اللبناني”.
“بينما لم يلتزم كجانب أمريكي بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وبالتالي الإسرائيلي ما يزال مستمرا في عدوانه وغاراته الوحشية التي تطال مختلف مناطق الجنوب والبقاع”، حسب ريفي.
** مفترق طرق
ووفق المحلل السياسي طوني بولس فإن باراك حمل معه “رسالة أمريكية واضحة”.
وزاد بولس في حديث للأناضول أن الرسالة مفادها أن “لبنان أمام خيارين: إما اللحاق بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يشهد إعادة رسم توازناته، أو البقاء في مستنقع الصراعات والتخلف”.
وتابع: “المبعوث الأمريكي حمّل الدولة اللبنانية مسؤولية إدارة ملف السلاح، وقال صراحة إن بلاده ليست مسؤولة عما قد تقدم عليه إسرائيل في المرحلة المقبلة إذا لم يُحقق تقدم واضح”.
بولس اعتبر أن “الفرصة الحالية قد لا تتكرر، وعلى لبنان أن يختار بين الاندماج في مشروع الاستقرار الإقليمي، أو أن يبقى على الهامش”.
وزاد أن “الولايات المتحدة أوحت بأنها لن تكون مسؤولة عن أي خطوات قد تُقدم عليها إسرائيل في المرحلة المقبلة تجاه لبنان”.
وهو “ما يُعد تخليا ضمنيا عن دور الرعاية الأمريكية التقليدي إذا لم تلتقط بيروت إشارات واشنطن”، كما ختم بولس.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: