
محمد عزت علي الشريف: إنْ كان الطغيان بندقية.. فالصمود امرأةٌ عربية
محمد عزت علي الشريف
ساءلتُ صديقتي اليعربية:
مَنْ غَرَّ أبناءَ الوطن المُفَدّى/ بالوطن الذي أضحى/ تَسُودُهُ الفوضى/ وتَسُوسُهُ بندقية؟!
بعد الانفجار الكبير.. تقولُ صديقتي الكاتبة العراقية عن مُواطِنَتِها “خالدة” الحرة الأبيَّة:
بعدما عَرَّتْها النيرانُ عن آخر قطعةٍ من ملابسها.. ولمّا لمْ تجد ما تستُر به نفسها، دفعها حياؤها لأن تعود مرة أخرى لائذةً بسيارتها؛ لتستر عن عيون المَلأ عَورَتها؛ ولِتأتي النيرانُ هذه المرة – بعد ملابسها – على كامل هيئتها!، ولِتَخْسَرَ الحرةُ عمرَها.. وتُقَدِّمَ نفسَها ضحيّة – لكن، تُراها قد خسرَت القضية؟.
ـ هكذا يا سادتي “شموخ العراقية” في زمن الفوضى وحُكم الهمجية
**
(٢)
ساءلتُ صديقي المتخصص في القضية:
هل البندقية ـ حقاً ـ رجل؟!
ـ ردّ: إذن فالشجاعة امرأة.
قُبيل فجر العيد في موقف ميكرو باصات الإسكندرية الجديد، رأيتُها امرأة عجوزا؛ وقد حملتْ على رأسها، ما يفوقُ الاحتمال من الزاد والزُوّاد، وما يَهدّ الجبال من الهموم والأحزان.
و قد انفرطتْ لِتوّها من بين يديها أكياسُ الزاد والزُوّاد ، كل البرتقال فَرّ في اتجاه والليمون في اتجاه، وزجاجتا المياه المعدنية راحتا تتسابقان كبطتين عرجاوين إلى عمق العتمة والتِيه بين عجلات مركبات الأجرة التي تنتظر أُوْلاها دورَها في الإقلاع بعد الخروج من صلاة فريضة الفجر، وأما العيد على كل حالٍ فنافلة..
وبينما رُحْتُ أنا أُؤدي واجب الوقت أُلَمْلِمُ مع العجوز ما تبعثر من الأكياس من بين يديها ومن خلفها، هنا وهناك على الأرضِ بين السيارات وفي أرجاء المكان.
راحت المرأة بدورها تَصُبّ على مسامعي – كما الرصاص المَغْلِيّ – أكداسَ العَنَتِ النَفْسي والوَجَعِ الانساني:
– أصلْ يا “ابني” أنا رايحة لـ “ابني”
ومهما يكون، ده أول عيد ييْمُرّ عَلِيْه بَرّه البيت
وحبّيْتْ أشوفه وآخذُه بحضني، وأعطي عيدية
ويِمكِن يا ابني يقبلوا أقعد جَنْبُه شوية..
طبعاً ياابني ده برضك عيد..
وقلت أجيبله كل الأكل اللـ..كان متعوّد ياكله تملّي فـ يوم العيد:
كحك وبِسْكِت/ حلبة وترمس/ وكيلو سوداني/ وكيسين فاكهة/ وجايبة معايا إزازتِين مَايّة..
كله يا ابني محصّل بعضه:
برج العرب، زَيّ أبو زعبل/ وجمصة زَيّ الأبعادية ..آهي كلاتها سجون حكومية!.
– أيوه يا ابني صح كلامك، بسّ يا ريت!
ياريت كان ابني التاني موجود.. كان جه معايا/ ومعايا كان شال الشِيْلَة.
بس يا ابني، أقولك إيه وأعيدلك إيه:
” ابني التاني هوه كمان.. قتلوه غِيْلة”!.
**
ساءلوني في مستقبل القضية؟
قلتُ: الصمود امرأة عربية.
و يا صديقي..
لا تَنْظُرَنَّ إلى طالِعِ النخل شجاعاً مقداماً، مِسراعاً نحو العُلا..
انظُرَنَّ إلى النارِ تَرعى في الجُذور!
وفي ميدان العِزّ والخلود..
ساءلوها عن شعورها “ تلك المرأة الفلسطينية المجاهدةَ الصابرةَ ” بعد دقائقَ من استشهاد ابنها الثاني.. قالت:
أشعرُ أنه لمّا يزل لديّ ابنان آخران وصبيّة صغيرة
وحتى لو ماتوا جميعاً؛ فما زال الله موجوداً
وقد كنت أنا وأبوهما قبل عشرينَ عاماً وحيدين بلا أولاد..
وحتما؛ قبلَ أو بعد عشرينَ أخرى سنكون بلا أولاد
ولن يبقى منّا جميعاً في هذه الدنيا من ذكرى..
غيرَ أنَّ الشهداء.. أحياء.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: