المستثمرون العرب يراهنون على البورصة المصرية والأجانب ينتظرون إشارة – وطني

المستثمرون العرب يراهنون على البورصة المصرية والأجانب ينتظرون إشارة – وطني

على مدار السنوات الخمس الأخيرة، رسمت تعاملات المستثمرين العرب والأجانب على البورصة المصرية مشهدًا استثماريًا متباينًا، يُجسِّد اختلاف الرؤى وتباين شهية المخاطرة. ففي حين ضاعف المستثمرون العرب من وجودهم داخل السوق، ويرون فرصا استثمارية جذابة في ظل تراجع التقييمات، واصل الأجانب التخارج بوتيرة لافتة، متأثرين بموجات متتالية من الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية.

وبحسب مسح أجرته “البورصة”، بلغ صافي مشتريات العرب نحو 98 مليار جنيه منذ عام 2020 وحتى نهاية النصف الأول من عام 2025، مقابل صافي مبيعات تجاوز 70 مليار جنيه من جانب المستثمرين الأجانب.

هذا التباين، وإن بدا رقمًا مجردًا، إلا أنه يحمل في طياته دلالات استراتيجية حول كيفية قراءة كل طرف للمخاطر والفرص في السوق المصري.

عزا محللون العديد الفجوة الواسعة في تعاملات العرب والأجانب إلى اختلاف الأهداف الاستثمارية، ومدى تقبل المخاطرة، والنظرة للبيئة الجغرافية والثقافية. فبينما يرى العرب في السوق المصري امتدادًا طبيعيًا لأسواقهم – يشتركون معه في اللغة والثقافة والبيئة الاستثمارية – يتعامل المستثمر الأجنبي معه كعنصر ضمن محفظة دولية أكبر، يُعاد ترتيب مكوناتها سريعًا مع تغير المعطيات.

أبوهند: العرب ضاعفوا مشترياتهم مع انخفاض تقييمات الأصول

قال أيمن أبوهند، الرئيس التنفيذي لشركة “سيجنيفيكا كابيتال”، إن تراجع تقييمات السوق عقب كل موجة تعويم للجنيه، خلق ما يشبه “الفرصة الذهبية” للمستثمر العربي، حيث أصبحت الأصول المصرية تُتداول عند مستويات سعرية جاذبة بشدة.

وأشار أبوهند إلى أن مضاعف الربحية تراجع من 11.5 مرة في 2020 إلى 7.2 مرة في 2022، ما جذب مؤسسات خليجية ضخمة، أبرزها جهاز قطر للاستثمار في “فوري” و”CIB”، وصندوق الاستثمارات العامة السعودي في شركة “الإسكندرية للحاويات”، وهي إشارات تُفسّر موجة المشتريات العربية المتتالية.

المستثمر الخليجي يتحرك بشكل استراتيجي منظم

بحسب أبوهند، فإن المستثمر الخليجي يتمتع بميزة إضافية هي الانسجام مع توجهات الدولة، سواء في الاستثمار أو التخارج. لذلك، غالبًا ما يأتي تحركه استراتيجيًا ومترابطًا مع الصفقات الحكومية الكبرى، بعكس المستثمر الأجنبي، الذي يفضّل استقلالية القرار بناءً على معايير عالمية صارمة، تتعلق بسعر الصرف، والسياسات المالية، وسهولة التخارج.

وأكد أن عودة الأجانب تتطلب خارطة طريق واضحة لتحفيز القطاع الخاص، وتقليل التدخل الحكومي، مع تفعيل حوافز مباشرة، مثل الإعفاءات الضريبية وتبسيط الإجراءات البيروقراطية.

المصري: السوق بحاجة إلى إدارة مؤسسية فعالة في الأزمات

يرى ياسر المصري، العضو المنتدب لشركة العربي الإفريقي لتداول الأوراق المالية، أن السوق المصري بحاجة إلى “إدارة مؤسسية فعالة” للأزمات، كما فعلت بورصة تل أبيب خلال الحرب الأخيرة، حيث تدخلت الصناديق السيادية لاحتواء الصدمة، ما منح السوق قدرًا من الصلابة.

وأضاف المصري، أن المستثمر الأجنبي يتجه في أوقات الأزمات نحو أدوات الدين قصيرة الأجل، أو الذهب، بينما يرى المستثمر العربي في انخفاض العملة فرصة للدخول، خاصةً مع توقعات بتحسن السوق على المدى المتوسط.

حامد: العرب يشترون للاستثمار طويل الأجل والأجانب يلجأون للتسييل وقت اضطرابات الأسواق

تُوضح راندا حامد، العضو المنتدب لشركة “عكاظ لتداول الأوراق المالية”، أن الفرق الجوهري يكمن في نوعية الاستثمار، فالعرب عادة ما يتحركون بدوافع استراتيجية، بينما يتبع الأجانب سيولة الأسواق العالمية. فعند التوترات، يسارع الأخير إلى التسييل لتقليص الخسائر أو لتعديل مراكزهم وفقًا للمتغيرات.

وترى حامد أن تحسين بيئة الاستثمار، واستكمال برنامج الطروحات الحكومية، وتمكين القطاع الخاص، يمكن أن يمثل نقطة تحول في نظرة المستثمر الأجنبي للسوق. وتُشدد على ضرورة الترويج الدولي للفرص الاستثمارية، وتقديم حوافز ضريبية واضحة، وتعزيز الشفافية، لتسريع عودة الأجانب.

قباني: اللغة والديموغرافية إلى جانب الدين تدعم الاستثمارات العربية

وذكر هيثم قباني، العضو المنتدب لشركة “بيتا كابيتال”، أن قرب الجغرافيا، ووحدة اللغة، والثقافة، وحتى الدين، يمنح المستثمر العربي راحة نفسية تجاه السوق المصري، كما أن عدم وجود ضرائب مرتفعة، وتوافر فرص نمو في قطاعات مثل الطاقة والخدمات اللوجستية، يعززان من جاذبية السوق للعرب مقارنة بالأسواق الأوروبية.

في المقابل، يرى قباني أن المستثمر الأجنبي لديه حرية أوسع في اختيار وجهاته الاستثمارية عالميًا، ويفضّل بيئات مستقرة سياسيًا ومؤسسيًا، وهو ما يفسر عزوفه عن الاستثمار طويل الأجل في مصر في الوقت الراهن.

عبدالحكيم: البورصة المصرية ما زالت جاذبة لمستثمري المخاطر المرتفعة

وأكد محمد عبدالحكيم، العضو المنتدب للبحوث في شركة “أسطول”، أن السوق المصري يمر حاليًا بمرحلة “إعادة تسعير” بسبب تصاعد المخاطر، سواء من الداخل عبر التحديات الاقتصادية والعجز المالي، أو من الخارج نتيجة التوترات الجيوسياسية.

ويشير إلى أن المستثمرين الأجانب ليسوا كتلة واحدة، بل يتنوعون حسب درجة المخاطرة التي يمكنهم تحملها. بعضهم يرى في تراجع السوق فرصة، وآخرون يفرون إلى أدوات الدين أو الأسواق المستقرة.

وأضاف أن جاذبية السوق المصرية لن تكفي وحدها ما لم يصاحبها استقرار في سعر الصرف، وانخفاض في التضخم، وإشارات إيجابية من صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الائتماني.

شفيع: الأجانب دائما ما يفكرون في آليات التخارج وسهولته

وقال مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة “عربية أون لاين”، أن أغلب صفقات العرب جاءت في إطار برنامج الطروحات الحكومية، وتمت عبر صفقات مباشرة، وليس من خلال السوق المفتوح، موضحا أن المستثمر الأجنبي يفكر دائما في سهولة التخارج، وآليات استرداد الأرباح أو رأس المال بالدولار.

وأضاف أن أدوات الدين الأمريكية، خاصةً مع تثبيت الفيدرالي للفائدة، أصبحت أكثر جذبًا من أسواق ناشئة ، وهو ما يقلص تدفقات الأموال الأجنبية.

إمام: تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة يدفع الصناديق للتحوط

وقال عبدالحميد إمام، رئيس البحوث في “بايونيرز”، إن الصناديق الاستثمارية، سواء الأجنبية أو العربية أو حتى المحلية، اتجهت مؤخرًا نحو التحوط من خلال خفض المراكز والاحتفاظ بالسيولة، ولفت إلى أن الذهب والنفط وأذون الخزانة المصرية باتت هي الأدوات الأكثر جذبًا.

وأشار إمام إلى أن السوق المصري مازال يحمل فرصًا قوية في قطاعات مثل العقارات، الكيماويات، اللوجستيات، الأغذية، والأسمنت، لكنها مرهونة بهدوء الأوضاع الإقليمية واستعادة الثقة العامة.

وذكر أن إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية يمثل خطوة إيجابية، لكن السوق بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات الهيكلية، وتعزيز الاستقرار السياسي والنقدي لاستعادة بريقه أمام المستثمرين الدوليين.