
في لحظة وداع مؤثرة ومحمّلة بالمشاعر، يختتم السفير المصري لدى الكويت أسامة شلتوت رحلته الدبلوماسية التي امتدت ثماني سنوات، تنقل خلالها بين مسؤوليات متعددة في السفارة المصرية، قبل أن يتولى منصب السفير بين عامي 2021 و2025. وفي حوار وداعي خاص مع «الجريدة»، فتح السفير شلتوت قلبه، مستعيداً محطات من رحلته المهنية والإنسانية، مؤكداً أن الكويت ستبقى جزءاً من وجدانه، حيث شعر فيها دوماً بأنه بين أهله. شلتوت الذي وصف مهمته بالكويت بأنها «سهلة وصعبة في آنٍ واحد»، تحدث عن عمق العلاقات المصرية – الكويتية على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية، مشيراً إلى أن الاستثمارات الكويتية في مصر تجاوزت 20 مليار دولار، وأن هناك مساعي دائمة لتطوير الشراكات في قطاعات الطاقة، والأمن الغذائي، والنقل. وفي حديثه عن الجالية المصرية، أوضح أن أبناء الجالية يحظون برعاية واهتمام خاصين من السفارة، لا سيما في الملفات الإنسانية والخدمات القنصلية، مؤكداً أن العمالة المصرية المدربة باتت تمثل رافداً مهماً لسوق العمل الكويتي. وشدد على أهمية تعزيز التنسيق السياسي، وتوسيع التعاون الاقتصادي، وتفعيل أدوات القوة الناعمة، بما يحفظ متانة العلاقة التاريخية بين البلدين في مواجهة أي محاولات لتشويهها، مؤكداً أنها عصيّة على التحديات… وفيما يلي نص الحوار:
• قضيت 4 سنوات في الكويت، حدّثنا عن هذه الرحلة.
– أوضح ابتداء أنني قضيت في الكويت 8 سنوات وليس 4، حيث سبق أن توليت منصب رئيس القسم السياسي بالسفارة المصرية في الكويت خلال الفترة 1997-2001، ثم عدت إلى الكويت سفيراً من 2021 إلى 2025.
ورحلتي في الكويت غنية وعميقة، مليئة بالخبرات الدبلوماسية، والعلاقات الإنسانية، وأيضا الروابط الأسرية، ولمست خلال هذه الرحلة أن الشعبين المصري والكويتي شقيقان عن حق، فما أكثر المواقف الإنسانية اليومية التي شهدتها وتعكس العلاقة الأخوية الودية بين شعبي البلدين.
وأؤكد أن سنواتي الأربع التي قضيتها في الكويت الشقيقة سفيراً لبلادي تمثل محطة مهنية وإنسانية استثنائية بالنسبة لي، فهي كانت رحلة سهلة وصعبة في آنٍ واحد: سهلة بفضل ما يربط بلدينا من علاقات تاريخية وثيقة، وصعبة لأن الإضافة إلى الرصيد الكبير من المحبة والاحترام المتبادل بين الشعبين يتطلب عملاً دبلوماسياً متواصلاً وجهداً دقيقاً لتطويره.
ومع ذلك فقد نجحنا خلال هذه الفترة في تحقيق تقدم ملحوظ على أكثر من صعيد، فعلى المستوى السياسي، شهدت العلاقات بين القيادتين المصرية والكويتية دفعة قوية بفضل زيارات متبادلة على أعلى المستويات، أما اقتصادياً فقد تخطى حجم الاستثمارات الكويتية في مصر حاجز 20 مليار دولار، وهو ما يعكس عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
الجالية المصرية تحظى باهتمام خاص… ونحرص على تنظيم سوق العمل باحترافية
وحرصت خلال فترتي سفيراً على إيلاء اهتمام خاص بالجالية المصرية في الكويت، الذين يمثلون مكانة خاصة لدي، وعملنا على تسهيل الخدمات القنصلية، وتقديم الرعاية في الملفات الإنسانية والاجتماعية، وأطلقنا مبادرات لاستقدام عمالة مدربة ومؤهلة تلبي احتياجات سوق العمل الكويتي، وفقاً للتوجيهات السامية الصادرة عن قيادتي الدولتين في هذا الصدد.
وأقول إن الكويت ستبقى دائماً في وجداني، شعرت فيها دوماً بأنني بين أهلي، ولمست في شعبها كل التقدير والمحبة، وبفضل هذه الروح تمكنا من تعزيز التعاون في مجالات متعددة، من التعليم إلى الثقافة إلى الاستثمار، وبالتأكيد ستتواصل علاقتي بالكويت الشقيقة بعد انتهاء مهمتي. بكل امتنان، أستطيع القول إن هذه الرحلة لم تكن مجرد مهمة دبلوماسية، بل تجربة إنسانية ثرية أعتز بها.
الاستثمارات الكويتية في مصر تتجاوز 20 مليار دولار… وفرص واعدة في الطاقة والأمن الغذائي
• يقول بعض الدبلوماسيين إن الكويت من أفضل الدول التي يمكن أن يعمل بها أي دبلوماسي، هل تتفق مع هذا الرأي؟ وماذا أضافت لك تجربتك الشخصية هنا؟
• بكل صدق، أجد هذا الرأي قريباً جداً من الواقع. الكويت بالفعل تعد من أنسب البيئات لعمل أي دبلوماسي، لما تتمتع به من استقرار سياسي، واحترام متبادل في العلاقات الثنائية، ووجود مساحة واسعة للحوار والتنسيق.
بالنسبة لي، كانت تجربة العمل في الكويت على فترتين تجربة فريدة، أضافت لي الكثير على المستويين المهني والشخصي، فمهنيا أتاحت لي الفرصة للعمل على ملفات بالغة الأهمية، من العلاقات الثنائية والاقتصادية، إلى التعاون القنصلي ورعاية الجالية، وشاركت عن قرب في تعزيز الروابط بين بلدينا في مرحلة حساسة من التحولات الإقليمية.
أما على المستوى الشخصي فقد لمست في الشعب الكويتي كرما واحتراما قلّ نظيره، وشعرت بصدق بأنني أعيش في بيتي الثاني. تجربة الكويت ستظل دائماً علامة مضيئة في مسيرتي الدبلوماسية.
• ما أكثر الأشياء التي ستفتقدها في الكويت؟
– سأفتقد الكثير في الكويت، لكن أكثر ما سيبقى في وجداني هو دفء العلاقات الإنسانية. الشعب الكويتي بطبعه مضياف، كريم، وصادق في تعامله، وقد شعرت دائما بأنني بين أهلي، لا في بلد آخر.
سأفتقد أيضا مشهد التعاون والتكامل اليومي بين السفارة والجالية، والعلاقات المباشرة مع مؤسسات الدولة الكويتية التي كانت دوما قائمة على الاحترام والتقدير المتبادل.
هناك تفاصيل صغيرة لكن مؤثرة، مثل دعوات التكريم، والاحتفالات المجتمعية، والزيارات للمدارس والمراكز الثقافية، وتفاعل الناس في المناسبات الوطنية. هذه اللحظات لا تُنسى، وهي التي تصنع الفرق في أي مهمة دبلوماسية.
وبصراحة، سأفتقد حتى تفاصيل الحياة اليومية من طيبة الناس في الشارع، إلى أجواء الكويت التي تحمل طابعاً خاصاً، وخصوصاً في شهر رمضان المعروف بديوانياته الشهيرة التي سأفتقدها كثيراً سواء في رمضان أو غير رمضان.
• بحكم خبرتكم في العمل بالكويت، ما أبرز ما يجب التركيز عليه في المرحلة المقبلة لتعزيز العلاقات المصرية – الكويتية؟
– في المرحلة المقبلة، أرى أن هناك ثلاثة مجالات رئيسية تستحق التركيز لضمان استمرارية الزخم في العلاقات المصرية الكويتية، أولها التنسيق السياسي الوثيق، خصوصاً في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة. البلدان يشتركان في رؤية متقاربة تجاه جميع الملفات في المنطقة، وتكثيف الحوار والتشاور يعزز هذا التفاهم ويحول دون أي فجوات في المواقف.
ثانياً: تعزيز الشراكة الاقتصادية بما يتجاوز حجم الاستثمارات إلى التنسيق في القطاعات الحيوية مثل الطاقة، والأمن الغذائي، والنقل، وخلق آليات مستدامة لتشجيع القطاع الخاص في البلدين على التفاعل مباشرة، ومن المهم أيضاً تطوير آليات تنظيم سوق العمل بشكل متوازن، بما يضمن مصالح الطرفين ويعكس احترافية العلاقة، ويسهم في تنمية التبادل التجاري بما يعكس إمكانيات البلدين.
ثالثاً: التركيز على القوة الناعمة من تعليم وثقافة وإعلام، لأن العلاقة بين مصر والكويت ليست علاقة مصالح فقط، بل علاقة وجدان ومصير مشترك، ومن المهم دعم كل ما من شأنه أن يرسخ هذه الروابط على مستوى الأجيال الجديدة في البلدين، خصوصاً في ظل ما نرصده من محاولات خبيثة تسعى للتأثير سلباً على ذلك الملف، وأؤكد لهؤلاء أن مساعيهم ستفشل وإلى زوال، لأن العلاقات المصرية – الكويتية وجودية.
وهذه المرتكزات الثلاثة – السياسي، والاقتصادي، والثقافي – هي التي تحافظ على قوة العلاقة مهما تغيرت الظروف.
عمق تاريخي
• كيف تصف طبيعة العلاقات السياسية بين مصر والكويت خلال فترة عملك؟ وما أبرز التحديات والفرص التي واجهتها؟
– خلال فترة عملي في الكويت، كان واضحاً أن العلاقات السياسية بين مصر والكويت تمتاز بعمق تاريخي واستقرار نسبي يعكس الروابط الأخوية التي تجمع البلدين. وهذه العلاقات تقوم على تفاهم متبادل وثقة عالية بين القيادتين، مما ساعد على تجاوز العديد من التحديات الإقليمية التي شهدها الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة.
ومن أهم سمات هذه العلاقة التنسيق السياسي المستمر على مستويات عدة، بدءاً من قمة القادة، ومروراً بالحكومات المختلفة، ووصولاً إلى التنسيق الوثيق في المحافل والمنظمات الدولية، فقد كانت هناك تبادلات منتظمة للزيارات والحوارات بين قيادات البلدين وعلى مستوى وزيري الخارجية، مما عزز التفاهم المشترك وولد رؤية موحدة حول القضايا الإقليمية والدولية.
هذا التنسيق كان له أثر بالغ في تبني مواقف مشتركة بالأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، حيث عمل البلدان جنباً إلى جنب لدعم قضايا الأمن والاستقرار في المنطقة، ومحاربة الإرهاب والتطرف، إضافة إلى تعزيز التعاون العربي المشترك.
لكن لم تخل هذه الفترة من تحديات، أبرزها التغيرات السريعة على الصعيد الإقليمي وتأثيراتها على السياسات الداخلية والخارجية لكلا البلدين. كان علينا مواجهة بعض الأزمات التي تطلبت درجة عالية من المرونة واليقظة في التعاطي مع المستجدات، وهو ما تم بفضل التنسيق الوثيق والحوارات المستمرة بين الوزارات والمسؤولين.
أما الفرص فقد كانت عديدة ومتنوعة، خاصة مع تزايد الرغبة في تطوير العلاقات الثنائية لتشمل مجالات أوسع من التعاون الاقتصادي والاستثماري والثقافي. هناك إمكانية حقيقية لتعزيز هذا التعاون بما يخدم مصالح الشعبين، ويمكّن البلدين من لعب دور أكبر في تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة.
باختصار، تجربتي أكدت لي أن العلاقة السياسية بين مصر والكويت ليست مجرد تحالف رسمي، بل شراكة استراتيجية مبنية على الثقة والتفاهم العميق، وهذه الشراكة تتطلب استمرار الجهود لتعزيزها وتطويرها في مواجهة تحديات العصر.
رسالة أخيرة
• ما رسالتك الأخيرة إلى الشعب الكويتي؟
– أتمنى للكويت وشعبها دوام الأمن والاستقرار، وأن تستمروا في قيادة المنطقة بحكمة ورؤية واضحة، كما أتمنى أن تبقى مصر دائماً في قلبكم، كما أنتم في قلوبنا، وأن نبقى يداً واحدة في مواجهة كل التحديات التي قد تواجه أمتنا العربية.
وفي الختام، أؤكد لكم أن ما جمعه التاريخ لا يمكن أن يفرقه الزمن، وأن علاقات مصر والكويت ستظل منارة للتعاون والصداقة التي نعتز بها جميعاً، وإن كره الحاقدون.
رحلة إنسانية رائعة وشعب كريم مخلص
توجه السفير المصري أسامة شلتوت بأسمى آيات الشكر والامتنان إلى الشعب الكويتي العزيز، «على حفاوته المتميزة، وروح الأخوة التي شعرت بها منذ اللحظة الأولى لوصولي إلى الكويت. لقد كانت تجربتي هنا أكثر من مجرد مهمة دبلوماسية، كانت رحلة إنسانية رائعة، عرفت خلالها شعباً كريماً مخلصاً، يعتز بعلاقاته التاريخية مع مصر، ويحرص على تعزيزها بكل صدق وإخلاص».
وتابع شلتوت: «علاقتنا ليست مجرد علاقات بين دولتين، بل هي علاقة متجذرة في التاريخ والمصير المشترك، ورابطة قلبية بين شعبي مصر والكويت»، موضحاً أن «هذه العلاقة تتطلب منا جميعاً أن نستمر في العمل معاً لبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، عبر تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي».
وشدد على أن «باب مصر مفتوح دائماً لكم، ليس فقط كأشقاء وأصدقاء، بل كشركاء في النجاح والتنمية»، مبيناً أن «التواصل بين شعبينا يجب أن يظل مستمراً، ولا يقتصر على المراسلات الرسمية، بل يشمل كل مستويات التفاعل الثقافي والتعليمي والاقتصادي، لأن في ذلك قوة حقيقية تحفظ هذه العلاقة وتُنمّيها».